جامعة ابن زهر بين مطرقة التشهير وسندان الوفاء: دعوة للعقل والضمير

متابعة : هشام افضيلي
في خضمّ ما بات يُعرف إعلاميًا بفضيحة “بيع دبلومات الماستر” بإحدى المؤسسات الجامعية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، طفت على السطح موجة من التفاعلات، تراوحت بين النقد المشروع والتشهير المغرض.
وإذا كانت مثل هذه القضايا تستحق المتابعة الجادة من طرف الجهات المعنية، فإن ما لا يمكن قبوله هو استغلالها كذريعة لتصفية الحسابات، وتحويل مؤسسة جامعية عريقة إلى ساحة للرجم الجماعي، خارج قواعد القانون والأخلاق.
ولنكن واضحين: ما وقع – إن ثبت – هو سلوك فردي معزول، صدر عن أستاذ وافد، لا ينتمي إلى الطاقم الأصلي للمؤسسة، ولا يجوز بحال من الأحوال تعميمه أو تحميله لجامعة بكاملها، تضم الآلاف من الأطر والأساتذة والطلبة والإداريين الذين يشتغلون في صمت، ويحققون إنجازات معتبرة رغم محدودية الإمكانات والتحديات الهيكلية المعروفة.
لقد تابعنا خلال الأيام الأخيرة حملة غير مسبوقة، تستهدف جامعة ابن زهر بشكل مباشر، وتُصوِّرها وكأنها بؤرة للفساد وسوق مفتوح للمحاباة والزبونية.
حملة بلغت من الحدة والتجني حدًا بات يُثير التساؤلات: هل الأمر يتعلق فعلاً بغيرة على الجامعة العمومية، أم أننا أمام محاولة ممنهجة لضرب هذه المؤسسة الرائدة، فقط لأنها فتحت أبوابها لأبناء الهامش، ووسّعت آفاق التكوين والبحث العلمي في مناطق ظلت لعقود على هامش السياسات العمومية؟
والمؤسف أكثر، أن بعض خريجي الجامعة أنفسهم انخرطوا في هذه الحملة، لا بنية الإصلاح، بل مدفوعين بأحقاد شخصية وتجارب فاشلة مع المؤسسة، بعضهم حاول مرارًا وتكرارًا الولوج إلى سلك الماستر ولم يُوفَّق، واليوم يُمارس نوعًا من “الانتقام الرمزي”، بعدما عجز عن تحقيق مسار أكاديمي سليم، وهم بذلك لا يُسيئون للمؤسسة فقط، بل يُسيئون لأنفسهم أولاً، ويُشككون في قيمة الشهادات التي حصلوا عليها منها.
ومع ذلك، فإننا نُفرّق بوضوح بين النقد البناء الذي يُسائل السياسات والاختلالات ويوجهها نحو التقويم، وبين خطاب التشهير والاستهداف الذي يتغذى على الشعبوية والكراهية؛ فالجامعة ليست جزيرة معزولة عن المجتمع، وقد تشوبها بعض الانزلاقات، كما هو حال كل المؤسسات في العالم، لكن علاج هذه الانزلاقات لا يكون بالتعميم ولا بالتشويه ولا باستغلالها للإجهاز على ما تبقى من أمل في التعليم العمومي.
إن جامعة ابن زهر، وهي تتعرض لأبشع حملة في تاريخها، لا تحتاج إلى من يصفق لها، بل إلى من يدافع عنها بالموضوعية والنزاهة. تحتاج إلى أبنائها الحقيقيين، من أساتذة، وطلبة، وإداريين، وخريجين أوفياء، يعون قيمة المؤسسة التي احتضنتهم، ولا يترددون في كشف مكامن الخلل، لكن دون طعن في الظهر أو ارتكاب جرائم في حق الذاكرة الجماعية.
نعم، الجامعة في حاجة إلى مساءلة داخلية عميقة، وإلى آليات شفافة للمراقبة والمحاسبة، ولكنها أيضًا في حاجة إلى من يضع يده على مكامن الضوء، ويذكر بما تحقّق فيها من منجزات، على مستوى التكوين والبحث العلمي وخدمة التنمية في جهات الجنوب.
ختامًا، نقولها بكل وضوح: لا أحد فوق المحاسبة، ولا قداسة لأحد. لكننا في الوقت نفسه، لا نقبل أن يتحول حادث معزول إلى مبرر لحملات ممنهجة ضد مؤسسةٍ خرجت من رحم التهميش، وحققت ما عجزت عنه جامعات بموارد أوفر. فجامعة ابن زهر ليست مجرد بنايات ومدرجات، إنها قصة صعود جماعي لأبناء المغرب العميق نحو الأمل، وقصة نجاح تستحق أن تُروى بعدل لا أن تُغتال غدرًا.