الدبلوماسية الأمنية المغربية تعزز مكانة المملكة في مواجهة التهديدات العالمية .

بقلم: البراق شادي عبد السلام
في عالم تتشابك فيه التهديدات الأمنية والمخاطر المرتبطة بها، وتتزايد يومًا بعد يوم الأزمات الناجمة عنها، تبرز الدبلوماسية الأمنية كركيزة أساسية لضمان استقرار الدول وأمنها وحماية مصالحها. ومن هذا المنطلق، لم يعد دور الأجهزة الأمنية والاستخباراتية يقتصر فقط على المهام التقليدية داخل الحدود الوطنية، بل امتد ليشمل بناء شبكات تعاون دولية قوية وعمليات أمنية خارج الحدود لحماية الأمن القومي بمفهومه الشامل. وفي هذا السياق، يبرز المغرب من خلال دينامية دبلوماسيته الأمنية التي يقودها المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، السيد عبد اللطيف حموشي، كفاعل محوري في التصدي للتحديات الداخلية والعالمية، وذلك تنزيلًا للرؤية الملكية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لتحقيق الأمن الشامل للوطن في ظل وضع عالمي مترابط ومعقد ومتداخل الأولويات والتحديات. إنه عالم لم تعد التهديدات داخله محصورة في جانب واحد؛ فانهيار الدولة في بلد قد يهدد أمن دول الجوار، والأزمات الاقتصادية في بلد ما يمكن أن تؤثر على الأمن العالمي، والتهديدات السيبرانية يمكن أن تشل البنى التحتية الحيوية، وتغير المناخ يسبب كوارث طبيعية تؤثر على الأمن الغذائي والهجرة. وعلى هذا الأساس، فإن النهج الشامل للأمن ضروري لمواجهة هذه التحديات المعقدة والمترابطة بشكل فعال ضمن إطار عمل استراتيجي يهدف إلى بناء مجتمعات ودول أكثر أمانًا ومرونة واستعدادًا لمواجهة جميع أشكال التهديدات والمخاطر من خلال نهج تعاوني ومتعدد الأبعاد.
في هذا السياق، كانت زيارة عمل السيد عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني بالمغرب، إلى موسكو في الفترة من 27 إلى 29 مايو، لحضور الاجتماع الدولي الثالث عشر لكبار المسؤولين المكلفين بقضايا الأمن والاستخبارات، وهو المنتدى الرفيع المستوى الذي يُعد منصة استراتيجية لتبادل الرؤى والتنسيق بين الدول بهدف تطوير آليات جماعية لمواجهة المخاطر العالمية المتزايدة وبحث السياسات الدولية لتحييد المخاطر المستجدة، مما يساهم في ترسيخ الأمن والسلم الدوليين. ترأس أعمال المنتدى أمين مجلس الأمن الروسي، السيد سيرغي شويغو، وشهد حضور وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وكلمة افتتاحية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عبر تقنية التناظر عن بُعد.
لا يمكن النظر إلى زيارة السيد عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، إلى موسكو، إلا كخطوة استراتيجية بالغة الأهمية. فوجوده في الاجتماع الدولي الثالث عشر لكبار المسؤولين المكلفين بقضايا الأمن والاستخبارات ليس مجرد حضور بروتوكولي، بل هو تأكيد على تزايد ثقل المغرب الإقليمي والدولي في منظومة الأمن العالمي، وعلى رغبة صانع القرار الأمني في المغرب لمشاركة تجربته الأمنية الناجحة على جميع المقاييس مع باقي التجارب العالمية من أجل تطوير صناعة الأمن المغربية والدولية في أفق التحديات الكبرى التي تنتظر بلادنا، سواء التظاهرات الرياضية الدولية أو التحديات الخارجية أو التهديدات الإرهابية.
هذا المنتدى الرفيع المستوى لم يكن مجرد منصة لتبادل الأحاديث الدبلوماسية بلغة كلاسيكية، لكنه يمثل في جوهره، وبعمق أكبر، مساحة حيوية لتنسيق الجهود وبناء آليات جماعية لمواجهة المخاطر العابرة للحدود. فمن الإرهاب المنظم إلى الجريمة السيبرانية، ومن التهديدات البيولوجية إلى النزاعات الإقليمية، أصبحت التحديات الأمنية متشابكة ومتداخلة، ولا يمكن لأي دولة، مهما بلغ حجمها أو قدراتها، أن تواجهها بمفردها.
لذلك، فإن مشاركة المغرب في هذا المؤتمر تعكس وعيًا عميقًا لدى العقل الاستراتيجي المغربي بأن المنظومة الأمنية المغربية بمختلف أفرعها باتت جزءًا لا يتجزأ من الأمن الإقليمي والدولي. وقد شكلت كلمة المملكة المغربية الشريفة التي ألقاها السيد عبد اللطيف حموشي في جلسة رفيعة المستوى حول التهديدات الإرهابية تحليلًا دقيقًا ومقلقًا لتحديات الأمن الراهنة على المستوى الوطني والقاري والدولي. لم يكتفِ الحموشي بتسليط الضوء على استمرارية تهديد “داعش” و”القاعدة” بأقطابها الجهوية والمحلية على مختلف ساحات الجهاد العالمي، بل تجاوز ذلك ليؤكد على تحولات جذرية تعرفها التنظيمات الإرهابية، معززًا كلمته بمعطيات رقمية دقيقة ومحذرًا من تمدده الإقليمي وتوغله في الفضاء الرقمي. كما وجه رسالة واضحة بأن المملكة المغربية الشريفة ملتزمة بالمساهمة الفاعلة في صياغة الحلول، وتبادل الخبرات، وتطوير رؤى مشتركة لتحييد المخاطر المستجدة، مستدلًا بإجهاض الأجهزة الأمنية لمخطط عالمي لـ”داعش” يهدف إلى بناء منظومة إرهابية متكاملة في المملكة المغربية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” تحت مسمى “ولاية المغرب الأقصى”، على غرار ولايتي الساحل والصحراء الكبرى، لتتحول إلى قاعدة خلفية تهدد ميكانيزمات الأمن البشري في شمال إفريقيا وأوروبا.
قدم السيد عبد اللطيف حموشي في موسكو خارطة طريق متكاملة لتأسيس بنية أمنية مشتركة تستمد روحها من التوجيهات الملكية السامية فيما يخص النموذج الأمني المغربي المؤسس على مقاربة إنسانية تعتمد حكامة أمنية تمزج بين احترام حقوق الإنسان والحزم والجدية والمسؤولية في مواجهة التهديدات والأخطار المهددة لأمان واستقرار الوطن. حيث أكد من خلال مداخلته القيمة على ضرورة مواجهة التحديات الإقليمية المتصاعدة من خلال العمل على خلق جبهات أمنية مشتركة تساهم في مواجهة التهديدات غير النمطية عبر إرساء بنية أمنية تعتمد على التعاون الوثيق والتنسيق المستدام بين مختلف الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة لبناء منظومة أمنية عالمية تساهم في حفظ الأمن العالمي على أساس حماية المصالح العليا المشتركة.
مشاركة المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، السيد عبد اللطيف حموشي، في الاجتماع الدولي الثالث عشر لكبار المسؤولين المكلفين بقضايا الأمن والاستخبارات في موسكو، إلى جانب 125 وفدًا من أكثر من 100 دولة، تندرج في إطار نهج الدبلوماسية الأمنية التي أصبحت اليوم تلعب دورًا محوريًا في الدفاع عن المصالح العليا للوطن من خلال تفعيلها كأحد الأذرع الدبلوماسية التي تحدد مسارات السياسة الخارجية للمملكة. وعلى هذا الأساس، فإنه يضع العمل الأمني في موقعه الاستراتيجي كأحد أهم عناصر قوة المقاربة المغربية لشراكاتها مع دول العالم. حيث تحولت بفضل الفهم الدقيق والعميق للسيد عبد اللطيف حموشي وباقي أطر وكوادر المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لحماية التراب الوطني لطبيعة الإشكالات التي تواجه الأمن البشري بمفهومه الشمولي في مجاله الوطني والإقليمي والعالمي، إلى استراتيجية واعدة اعتمدت على ربط الأمن القومي للمملكة المغربية بمحيطها الجيوسياسي من خلال تنويع شراكاته والعمل على ضمان تموقع رائد في الخريطة الأمنية العالمية، مما جعل التجربة الأمنية المغربية تتحول إلى مرجع عالمي وإقليمي للمقاربة الأمنية الفعالة المتميزة بالنجاعة والحكامة، وتتحول معه المؤسسة الأمنية المغربية إلى نموذج يحظى بإشادة دولية من خلال عملها الجدي والمسؤول والمهني والاستباقي في مواجهة كل أنواع الجريمة وبشكل خاص التهديدات الإرهابية والجريمة العابرة للقارات.
إن الرؤية الملكية المتبصرة للمقاربة الأمنية المغربية تحولت اليوم بفضل العمل النوعي للمديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني إلى قناعة راسخة وحقيقة كاشفة بأن مفهوم الأمن لم يعد قضية داخلية بحتة تُعالج في إطار وطني ضيق، بل هو مسؤولية مشتركة متعددة الأقطاب تتطلب تضافر الجهود وتعميق التفاهم بين مختلف دول العالم. وزيارة حموشي إلى موسكو، في هذا السياق، هي تأكيد عملي على هذه الرؤية الثاقبة، وخطوة أخرى نحو بناء جبهة عالمية متراصة في وجه كل ما يهدد أمننا الجماعي ومستقبلنا المشترك.