مجتمع

إستعمال السلاح الوظيفي بين شرعية الدفاع وحماية المجتمع .

 

أضحت الإعتداءات بالسلاح الأبيض مشهداً مألوفا في الحياة اليومية، تنقله إلينا بلا هوادة مختلف وسائل الإعلام الوطنية والمحلية، في مشهد ينذر بخطر داهم ويكشف عن إختلال أمني غير مسبوق. فلم يعد الأمر يتعلق بحالات معزولة أو طارئة، بل تحول إلى ظاهرة تتفاقم يوما بعد يوم، تهدد سلامة الأفراد في أجسادهم وممتلكاتهم، وتلقي بظلالها الثقيلة على الإحساس العام بالأمن والاستقرار. إنها إعتداءات تتسم بعنف مفرط وإندفاع طائش، غالبا ما تكون مدفوعة بتأثير الأقراص المهلوسة و المشروبات الكحولية، ولا تكتفي بمجرد سلب الضحية ممتلكاتها، بل تتعمد إلحاق أشد الأذى بها، مسببة جروحا غائرة وإعاقات مستديمة، بل وقد بلغت في بعض الحالات حد بتر الأطراف والأعضاء، دون تمييز بين صغير ومسن، رجل أو امرأة، حتى رجال الأمن لم يسلموا من هذا التحدي السافر لهيبة الدولة وسيادة القانون.

إن تفشي ظاهرة العنف والجريمة باستعمال الأسلحة البيضاء يفرض علينا التوقف مليا عند جذورها السوسيولوجية العميقة، إذ هي إنعكاس مباشر لتحولات متسارعة عاشها المجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة، تحولات غذتها إخفاقات متراكمة في السياسات التعليمية، وتفكك البنية الأسرية، وتراجع الوازع الأخلاقي والديني لدى فئات واسعة من الشباب. كما لا يمكن إغفال الأثر البالغ للإعلام الهدام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذا بعض الإنتاجات الدرامية التي ساهمت، عن قصد أو عن غير قصد، في تطبيع العنف وتقديمه في صورة البطولة والتمرد. إنها أزمة مركبة تتطلب تشخيصا دقيقا وإستجابة شمولية تعيد الإعتبار لقيم التربية والإحترام، وتعلي من سلطة القانون وهيبة المؤسسات.

 

في خضم هذا الواقع المقلق، يطفو على السطح تساؤل حارق ، كيف نحمي المواطن؟ وهل تقدم سلامة المجرم على أمن المواطن؟ تساؤل يتقاطع مع الإشكال القانوني والأخلاقي المرتبط بـاستعمال السلاح الوظيفي من قبل رجال الأمن والدرك الملكي، الذين أصبحوا في مرمى الخطر، في مواجهة يومية مع مجرمين مسلحين لا يترددون في الفتك بهم. فكم من عنصر أمني فقد حياته أو أصيب بعاهة مستديمة في سبيل حماية الأرواح والممتلكات ، مأديا واجبه المهني بأمانة وإخلاص.

إن حمل وإستعمال السلاح الوظيفي، في ظل التشريع المغربي، ليس امتيازا مطلقا، بل هو مسؤولية قانونية دقيقة، تحكمها مقتضيات الفصلين 124 و125 من القانون الجنائي المغربي، اللذين ينصان على أن “لا جريمة” إذا كان الفعل قد أُرتكب في إطار الدفاع الشرعي عن النفس أو عن الغير، شريطة إحترام شرطي التناسب والضرورة. كما أن المادة 3 من مدونة قواعد استعمال القوة تنص على أن “استعمال القوة، بما في ذلك الأسلحة النارية، لا يكون إلا كملاذ أخير، وبعد إستنفاد جميع الوسائل الأخرى الأقل خطورة”.

فضلا عن ذلك ، تخضع عناصر الأمن لتكوين صارم في معاهد متخصصة، يجمع بين الشق القانوني والحقوقي، والتكوين الميداني والتدريب العسكري، ويشمل التدريب على الرماية، وإحتواء التوترات ، وتقدير مختلف المواقف الخطرة في التدخلات الأمنية . إلا أن الواقع يفرض ضرورة تطوير هذا التكوين ليشمل قراءة نفسية وتحركات المجرم، ورفع اللياقة البدنية، وتحديث المعدات، وصيانة الأسلحة و تحديد نوعية الدخيرة.

 

وقد إستقر الإجتهاد القضائي المغربي ،على إعتبار أن استعمال السلاح الوظيفي لا يعد جريمة إذا ثبت أن رجل الأمن كان في حالة دفاع شرعي، وأن تدخله كان وفق الشروط التي يحددها القانون. وهو ما أكدته محكمة النقض في قرارات عدة، أبرزها القرار عدد 215/2012، الذي أكدت فيه أن “رجل الأمن الذي إستعمل سلاحه في مواجهة خطر داهم محدق لا يسأل جنائيا إذا كان فعله متناسبا مع طبيعة التهديد الواقع عليه”.

أما على مستوى القانون المقارن، فإن أغلب التشريعات الغربية، ومنها القانون الفرنسي خاصة المادة L435-1 من قانون الأمن الداخلي، تمنح رجال الأمن حق إستعمال السلاح في حالات الضرورة القصوى، مع اشتراط أن يكون الخطر حقيقيا، ووشيكا، وغير قابل للدفع إلا باستعمال القوة المميتة. وفي القانون الألماني، يشترط أن يكون إطلاق النار متناسبا تماما مع جسامة التهديد، ويخضع لتقييم داخلي صارم.

هنا، يبرز مقترح جوهري يتمثل في إعادة النظر في نوعية الذخيرة المستعملة، من خلال إعتماد الرصاص المطاطي أو الصاعق الكهربائي في حالات التدخل غير القاتلة، مع الاحتفاظ بالذخيرة الحية للتدخلات الخطيرة. كما ينبغي تزويد رجال الأمن بمسدسات غازية وكهربائية، وتكثيف التكوين حول تقنيات المواجهة غير المميتة، وتعزيز وسائل الحماية الفردية.

 

إن رجل الأمن، قبل أن يكون منفذا للقانون، هو إنسان و مواطن،وأب، لأسرة وأخ ، يعيش تحت وطأة التهديد الدائم، ويضحي براحته وإستقراره من أجل سلامة الجميع. فحماية هذا العنصر ليست فقط واجب الدولة، بل هي مسؤولية مجتمعية وأخلاقية. وإذا كنا نرفع لواء حقوق الإنسان، فعلينا ألا نغفل عن حق هذا الإنسان في أن يعود حيا إلى بيته، كما خرج منه وهو يرتدي زيه الرسمي حاملا أمانة الوطن.

فاستعمال السلاح الوظيفي لا يجب أن ينظر إليه كخرق للحق في الحياة، بل كإجراء إضطراري يخضع للقانون، ويراعي التناسب، وهدفه الأسمى حماية الحياة لا إزهاقها. وبين أمن المواطن وحقوق المجرم، يجب أن تكون الكفة دائما لصالح حماية المجتمع، ضمن ضوابط القانون ومبادئ العدالة.

 

ذ/الحسين بكار السباعي

محام مقبول لدى محكمة النقض

باحث في الهجرة وحقوق الإنسان

النائب الأول لرئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى