مجتمع

توقيف حسن أمزيان… حين يتحوّل التبليغ عن الخروقات إلى “شبهة تشهير”

 

في واقعة تعيد طرح سؤال حدود حرية التعبير ودور الفاعل الحقوقي في مواجهة تزايد مظاهر استغلال الملك العمومي، عرف ملف المناضل الحقوقي حسن أمزيان، مندوب المرصد الوطني لتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد بالدار البيضاء، تطورات لافتة بعد توقيفه على خلفية شكاية تتهمه بـ“التشهير”.

 

مصادر حقوقية أكدت أن الشكاية الموجهة ضد أمزيان لم تأتِ في سياق عابر، بل ترتبط ـ وفق تعبيرها ـ بمحاولة “إسكات صوت مُزعج”، خاصة بعد إثارة المعني بالأمر خروقات تتعلق باحتلال الملك العمومي من طرف مقاهٍ فاخرة تعود لجهات نافذة، وهو ملف لطالما ظل يثير جدلاً واسعاً بالعاصمة الاقتصادية.

ففي الوقت الذي يفترض فيه أن يكون التبليغ عن التجاوزات ممارسة مواطِنة محمية بالقانون، أصبح صاحب التبليغ موضوع متابعة، وكأن الإشارة إلى الاستغلال غير المشروع للملك العمومي باتت فعلاً مجرّماً أكثر من الخرق نفسه. هذا الوضع يعيد إلى الواجهة مفارقة مقلقة مفادها: هل أصبح القانون وسيلة لردع من يكشف الخروقات بدل معاقبة مرتكبيها؟

 

ورغم ذلك، سجّل المتابعون أن إجراءات التوقيف تمت في احترام تام للمساطر، حيث تعاملت عناصر الشرطة القضائية مع أمزيان بقدر من المهنية والمسؤولية، ما يعكس أن الإشكال لا يكمن في الجهاز الأمني، بل في خلفيات الشكايات التي بدت للكثيرين موسومة بطابع كيدي وانتقامي.

 

الهيئات الحقوقية والمدنية دعت إلى التعاطي مع هذا الملف بروح العدالة وضمانات المحاكمة العادلة، مطالبة النيابة العامة بالتدقيق في سياق هذه المتابعة، خصوصاً أن الأمر يتعلق بشخص راكم تاريخاً في الدفاع عن الشفافية ومحاربة الفساد. فالقضية ـ وفق مراقبين ـ تتجاوز أمزيان كفرد، لتلامس صلب النقاش حول الحق الدستوري في التعبير، وعن حدود استعمال القانون لتكميم الأصوات التي تُحرج مراكز النفوذ الاقتصادي.

 

ويجمع العديد من النشطاء على أن الدفاع عن حسن أمزيان اليوم هو دفاع عن حق المواطن في مساءلة الفساد دون خوف، وعن تكريس دولة تُكافئ من يبلغ عن التجاوزات بدل مطاردته بتهم جاهزة. فملف الملك العمومي بالدار البيضاء لا يحتمل المزيد من الصمت، ولا مزيداً من تحميل المسؤولية لمن يرفع الصوت بدل مواجهة من يحتل الفضاء المشترك بلا سند قانوني.

 

القضية مفتوحة على تطورات جديدة، لكنها كشفت مرة أخرى هشاشة العلاقة بين الفاعل الحقوقي وبعض دوائر النفوذ، وأظهرت أن معركة حماية الملك العمومي ليست فقط معركة لتطبيق القانون، بل معركة للحفاظ على مكاسب ديمقراطية تحققت بسنوات من النضال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى