فضائح الجامعة المغربية والتحرك المنتظر :

بعد انفجار فضيحة “بيع الشواهد الجامعية” بإحدى الكليات المغربية، اهتز الرأي الجامعي مرة أخرى، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على خلفية الإعلان عن مباراة للتوظيف في تخصص دقيق بإحدى المؤسسات الجامعية، والتي باتت تعرف بفضيحة ” منصب توظيف مفصل على المقاس”.
وبصرف النظر عن صحة هذه النوايا وخلفياتها، فلابد من التأكيد أن تنظيم مباراة توظيف الأساتذة الباحثين بالجامعة المغربية من الإعلان عن إجراء المباراة إلى الإعلان على النتائج، وفق النصوص القانونية التنظيمية، مسؤولية مشتركة بين الوزارة الوصية ورئاسة الجامعة وعمادة الكلية والأساتذة الباحثين أعضاء اللجنة العلمية، فالجامعة لا يمكنها الإعلان عن مباراة التوظيف إلا بعد موافقة الوزارة الوصية على لائحة التخصصات المطلوبة، كما أن رئاسة الجامعة لا يمكنها تحديد التخصصات المطلوبة إلا بعد موافقة مجالس المؤسسات الجامعية على التخصصات المحتاجة، وتبقى الحلقة الأخيرة و أداة التنفيذ محددة في اللجنة العلمية المكونة من الأساتذة الباحثين التي يبقى على عاتقها اختيار المرشح الفائز. ومن هنا فإن أي اختلال في مسطرة التوظيف من طرف جهة من الجهات السابقة، مع سبق الإصرار والترصد، يتحمل مسؤوليته جميع الأطراف.
ولوضع حد جذري لهذه الممارسات المشينة التي تسيئ إلى سمعة الجامعة المغربية، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين، سارعت الوزارة الوصية إلى إجراء تعديل جوهري في طريقة تنظيم المباريات، من خلال التنصيص في المادة 19 من النظام الأساسي للأساتذة الباحثين على أن مباراة توظيف الأساتذة المحاضرين تفتح في وجه المترشحين الحاصلين على شهادة الدكتوراه أو شهادة معترف بمعادلتها لها، والمسجلين في اللائحة الوطنية المؤهلة الاجتياز مباريات توظيف الأساتذة المحاضرين يتم مسكها من قبل لجنة وطنية تسمى ” اللجنة الوطنية للجامعات” يحدد تأليفها وكيفيات سيرها بنص تنظيمي تحدد فيه كذلك كيفيات مسك وشروط التسجيل في اللائحة الوطنية المذكورة، على أن يعمل بشرط التسجيل في اللائحة الوطنية المؤهلة لاجتياز مباريات توظيف الأساتذة المحاضرين ابتداء من فاتح يناير 2025 .
لكن المثير للدهشة والاستغراب أن الوزارة الوصية تراجعت عن هذا التعديل من خلال إلغاء ” اللائحة الوطنية للجامعات والمخولة لها تنظيم مباراة توظيف الأساتذة المحاضرين، بموجب المرسوم 2.24.1056 الذي تضمن تعديلات أخرى من أهمها التخلي عن فكرة اللجنة الوطنية للجامعات التي كان من المفروض أن تكون مركزية وتسهر على تنظيم جميع المباريات على غرار القطاعات الحكومية الأخرى، والإبقاء على النصوص التنظيمية الجاري بها العمل سلفا، والتي أصبحت متجاوزة بحكم توالي الفضائح داخل الجامعة المغربية، وغياب محاسبة المتلاعبين بصورة الجامعة وسمعتها الأكاديمية.
غير أن قضية ” بيع الشواهد الجامعية ” و قضية ” منصب توظيف مفصل على المقاس” ليست مجرد أحداث معزولة عن قضايا أخرى، بل تشكل بنية ضمن سلسلة الفساد التي تنخر جسم الجامعة المغربية والتي لها علاقة بأسلوب تدبير المؤسسات الجامعية وتسييرها، ومستوى البحث العلمي (ضعف محتوى الأطروحات الجامعية) والتأطير البيداغوجي ومسطرة تعيين عمداء ومدراء المؤسسات ورؤساء الجامعات، وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، ألم يصرح السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن الجامعة المغربية هي” المؤسسة العمومية الوحيدة التي لا يترأس مجلس إدارتها رئيس الحكومة أو الوزير الوصي على القطاع ”
وأمام توالي الفضائح بأشكالها المختلفة، واهتزاز صورة الجامعة المغربية وسمعتها، التي تناقلتها مختلف القنوات الإعلامية الوطنية والدولية، وشبكات التواصل الاجتماعي، شدد الوزير الوصي على القطاع على الحاجة الملحة لمراجعة شاملة لهيكلة منظومة التعليم العالي والخريطة الجامعية الوطنية، بهدف مواءمتها بشكل كامل مع المعايير والممارسات الفضلى المعتمدة دولياً.
وأخيرا إن الكشف عن بعض مظاهر الفساد في بعض المؤسسات الجامعية ( وما خفي أعظم) تضع الجامعة المغربية اليوم أمام تحد كبير، إما الانهيار الكامل للمنظومة، وإما الإصلاح الشامل برؤية جديدة، وإرادة إصلاحية حقيقية تعيد للجامعة دورها الريادي كقاطرة للتنمية ومؤسسة لإنتاج النخب الفكرية والإدارية.