طرفاية: حيث حطت أجنحة التاريخ على رمال كاب جوبي

متابعة : كمال قابل
في عالم يتسارع فيه الزمن وتُختصر المسافات بلمسة زر، تأتي بعض المبادرات لتذكرنا بقصص الرواد الذين مهدوا الطريق لهذا التقدم. رالي “لاتيكوير-إيروبوستال” هو إحدى هذه المبادرات التي تجمع بين شغف الطيران وعبق التاريخ، ليحتفي بالطيارين الأوائل الذين تحدوا المستحيل لإنشاء أول خطوط للبريد الجوي في بدايات القرن العشرين.
هذه ليست مجرد رحلة جوية، بل هي إعادة إحياء لمسار بطولي انطلق من تولوز الفرنسية مرورًا بالمغرب وموريتانيا والسنغال وصولاً إلى أمريكا اللاتينية. على متن طائراتهم الصغيرة، يعيد عشرات الطيارين من مختلف أنحاء العالم كتابة صفحات من تاريخ شركة “لاتيكوير” الأسطورية، ويعيدون للمسار الجوي أهميته الرمزية والثقافية.
ولعل المحطة الأبرز في هذه الرحلة هي مدينة طرفاية المغربية، أو “كاب جوبي” كما كانت تُعرف. هذه الأرض الرملية تحتضن تاريخاً غنياً يرتبط باسم الكاتب والطيار العالمي أنطوان دو سانت إكزوبيري، الذي تولى إدارة محطتها بين عامي 1927 و1928. هنا، عاش إكزوبيري مغامراته التي ألهمته في كتابة رواياته الخالدة، وجعلت من طرفاية نقطة مضيئة في تاريخ الطيران العالمي، وموقعاً يحمل قيمة عاطفية عميقة للمشاركين في الرالي.
يُعد هذا الرالي أكثر من مجرد حدث رياضي، فهو جسر يربط بين الماضي والحاضر، ويُكرم إرث الطيارين الذين حولوا السماء إلى طريق لنقل الرسائل والأمل. كما أنه يجسد روح التضامن الإنساني، من خلال دعمه للمشاريع الثقافية والاجتماعية في المدن التي يزورها، ليؤكد أن الطيران ليس مجرد وسيلة نقل، بل هو وسيلة للتواصل الإنساني ومد جسور الصداقة بين الشعوب.