بوجدور: محك جديد لحزب الاستقلال بين إرث النضال وواقع الإقصاء

متابعة : كمال قابل
يُعتبر حزب الاستقلال أكثر من مجرد تنظيم سياسي في المغرب، بل هو جزء لا يتجزأ من تاريخ المملكة الحديث. فعندما نذكر هذا الحزب، تستحضر الأذهان مباشرة مرحلة الكفاح الوطني، و”وثيقة المطالبة بالاستقلال” في عام 1944 التي شكلت نقطة تحول حاسمة في مواجهة الاستعمار. من هذه الجذور العميقة، استمد الحزب شرعيته التاريخية التي مكنته من أن يكون لاعبًا أساسيًا في صناعة القرار السياسي لعقود طويلة.
تاريخ مجيد ودور محوري
منذ تأسيسه، لم يكتفِ حزب الاستقلال بالدفاع عن الاستقلال، بل انخرط في بناء الدولة الحديثة بعد الحصول على الحرية. قاد الحزب حكومات، وشغل مناصب وزارية رفيعة، وساهم في صياغة التشريعات والسياسات العامة. لقد كان صوتًا مسموعًا في البرلمان، وممثلًا لجزء كبير من النخب المغربية. وهذا الإرث التاريخي هو الذي منحه مكانة خاصة في قلوب الكثير من المغاربة، وهو ما جعل اسمه مرادفًا للوطنية الصادقة.
الرهانات الراهنة: أخطاء غير محسوبة
لكن يبدو أن بعض تصرفات الحزب في الآونة الأخيرة قد بدأت تضع هذا الإرث العريق على المحك. فبدلًا من أن يعزز من مكانته كحزب جامع يمثل جميع المغاربة، بدأت تظهر بعض القرارات التي توحي بالانتقائية وعدم الاكتراث بالحساسيات المحلية.
وخير مثال على ذلك، ما حدث خلال الزيارة الأخيرة للأمين العام للحزب إلى الأقاليم الجنوبية. فبينما كان التواصل مع الساكنة وطرح الإنجازات والإشكالات في مدينة السمارة على نطاق واسع، كان لزيارة مدينة بوجدور طابع آخر. الزيارة اختُصرت على لقاء مع ممثل الحزب ورئيس المجلس البلدي، دون أي تواصل مباشر مع السكان لطرح الإنجازات ومناقشة الإشكاليات التي تهم المدينة.
خطأ سياسي أم تجاهل مقصود؟
هذا التصرف، الذي قد يبدو للبعض عاديًا، يُعتبر خطأ سياسيًا فادحًا في سياق الأقاليم الجنوبية، حيث لكل خطوة سياسية صدى أكبر. إن تجاهل أعيان ونخب مدينة بوجدور، وعدم منحهم نفس الأهمية التي أُعطيت لنظرائهم في السمارة، يمكن أن يُفسَّر على أنه نوع من التمييز السياسي أو العنصري.
هذا الأمر لا يليق بحزب بحجم حزب الاستقلال، الذي من المفترض أن يكون رمزًا للوحدة الوطنية والشمولية. إن الحزب الذي قاد معركة الاستقلال يجب أن يكون أكثر حساسية تجاه مشاعر المواطنين في كل بقعة من الوطن، وأن يبتعد عن أي سلوك يمكن أن يُحسب عليه كاستثناء أو إقصاء. فبناء الثقة مع المواطنين يتطلب العدالة والمساواة، وليس التمييز بين مدينة وأخرى.
خاتمة: دعوة للعودة إلى المبادئ
إن حزب الاستقلال، بتاريخه العريق، مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى العودة إلى مبادئه التأسيسية. عليه أن يثبت أنه حزب لكل المغاربة، وأن يعامل جميع المدن والمواطنين على قدم المساواة. فمستقبل الحزب لا يكمن في إرثه الماضي فقط، بل في قدرته على التفاعل مع الحاضر بروح المسؤولية والعدالة، وتفادي الأخطاء التي يمكن أن تُؤثر سلبًا على مكانته كقوة سياسية محورية في المملكة وفي المشهد السياسي