إقصاء المنابر الإعلامية بأكادير ، ضربة للتنمية الجهوية أم تكريس لغياب الشفافية؟
في ظل التوجهات الوطنية نحو تعزيز الجهوية المتقدمة وربطها بمسار التنمية المستدامة ، يفترض أن يكون الإعلام المحلي والجهوي شريكا فاعلا في مواكبة البرامج الاقتصادية والاستثمارية ، لا مجرد متفرج على الهامش . فما شهدته مدينة أكادير مؤخرا من إقصاء ممنهج لعدد من المنابر الإعلامية المحلية من تغطية فعاليات معرض “أليوتيس” الدولي ، يثير تساؤلات جوهرية حول مدى جدية الجهات المنظمة في الالتزام بمبادئ الشفافية والمشاركة ، بل ويضع علامات استفهام حول أهداف التعتيم الإعلامي الذي صاحب الحدث ،وأكبر من ذلك يضعنا أمام سؤال الجهوية والتزيل الفعلي لمخرجات مناظرة طنجة الأخيرة .
إقصاء لم يكن يقتصر تأثيره على المؤسسات الإعلامية وحدها ، بل إمتد إلى عموم المقاولات المحلية والجهوية الأخرى من شركات الأمن الخاص والحراسة وشركات النظافة ومؤسسات التنشيط ، والتي حرمت من حقها في الوصول إلى المشاركة تدبير خيمة أليوتيس الكبرى ، ونيل ثقة وشرف تدبير كل ما يتعلقة بقطاع اقتصادي حيوي كالمنتجات البحرية .
أمر يراه المتتبع المحلي والوطني إضعاف لدور إعلام آكادير وسط المملكة وسوس كوسيط بين الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين والدوليين ومختلف المتدخلين في تدبير ثروات بحارنا من فاعلين حكوميين وخواص ، فتجاهل إعلامنا المحلي والجهوي في مثل هذه التظاهرات الكبرى يسهم في تغييب قضايا الجهة عن النقاش الوطني، ويعوق جهود الدفاع عن مصالحها في مختلف المحافل.
لقد عكست هذه الممارسات خللا أعمق ، في تدبير العلاقة بين الفاعلين المؤسساتيين والإعلام، إذ إن تمكين الصحافة المحلية من مواكبة البرامج التنموية ليس ترفا، بل هو شرط أساسي لتعزيز الشفافية وتكريس حق المواطن في الاطلاع على مشاريع التنمية الجهوية . فكيف يمكن الحديث عن استثمار منتج على المستوى الجهوي، في وقت يتم فيه إقصاء الإعلام الذي يُعد أحد ركائز جذب الاستثمار وترسيخ الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين والمجتمع؟
كما أن تعزيز الاستثمار المنتج لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تحديد أدوار واضحة للجهات والمؤسسات المسؤولة، مع استعراض أفضل الممارسات الجهوية التي أثبتت نجاعتها في هذا المجال. فلا يمكن لأي جهة أن تحقق تنمية فعلية دون تحقيق الالتقائية بين مختلف الهيئات المتدخلة ، وتدقيق اختصاصاتها بشكل يسمح لها بالعمل وفق مقاربة ترابية متكاملة عوض الانغلاق في مقاربة قطاعية محدودة الأفق .
و رجوعا إلى مخرجات مناظرة طنجة حول الجهوية المتقدمة، والتي دعت إلى دعم جميع السبل الكفيلة بتعزيز الاستثمار المنتج على المستوى الجهوي، وترصيد مزاياه التنموية الشاملة، والدفع الجدي بتنزيل ورش الجهوية المتقدمة، باعتباره إصلاحا هيكليا وخيارا استراتيجيا لتعزيز مسار التنمية الترابية، وذلك في ظل التوجيهات الملكية السامية.
فأي تفسير ننتظره بخصوص إقصاء المقاولات المحلية والجهوية بسوس ماسة من فرص المشاركة في معرض “أليوتيس” ومنها المقاولات الإعلامية المحلية والجهوية من كل تغكية إعلامية وإشهار لهذا المعرض الدولي العام الذي تحتضنه آكادير وجهة سوس ماسة سنويا .
أم أن هذا الملتقى الدولي أكبر من أن يثم تدبيره على يد القائمين على المشهد الإعلامي في الجهة ويهم بالضرورة خصوصيات الجهة وقضاياها الحيوية ، مادامت ترواث البحر تدبر بالمركز كغيرها من ترواث الوطن .
ختاما إن تغييب الإعلام المحلي من مثل هذه التظاهرات لا يضر فقط بالمشهد الصحفي الجهوي ، بل يقوض مسار الجهوية المتقدمة برمته، إذ كيف يمكن الحديث عن تنمية حقيقية في ظل تهميش صوت الجهة ومنابرها ؟ وكيف يمكن تعزيز الشفافية والمساءلة في غياب إعلام قادر على نقل الصورة بوضوح ؟ إن أي توجه تنموي جاد ينبغي أن يقوم على إشراك جميع الفاعلين، بما في ذلك الإعلام ، الذي يفترض أن يكون عين المواطن على السياسات العمومية ، وليس مجرد ضيف ثقيل يتم استبعاده عند الضرورة.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام ورئيس مكتب جهة سوس ماسة للمرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان.