-المحكمة الدستورية تعري واقع الضعف والارتباك التشريعي إزاء قانون مهيكل (قانون المسطرة المدنية).

محمد الهروالي (فاعل حقوقي)
في لحظة فارقة من عمر التجربة الديموقراطية المغربية، أسقطت المحكمة الدستورية مواداً كثيرة من قانون المسطرة المدنية الذي تقدمت به وزارة العدل وصادق عليه البرلمان بغرفتيه.
قرار غير مسبوق في حجمه، لكنه بالغ الدلالة، لا لكونه مجرد فحص مدى مطابقة بعض مواد القانون المذكور للدستور ، بل لأنه يضع تحت المجهر سؤالاً أكبر: من يُسائل كفاءة المشرّع؟
فأن تعلن المحكمة عدم دستورية أكثر من 35 مادة دفعة واحدة، يعني أننا أمام خلل هيكلي في بنية التشريع، يتجاوز الأخطاء المعزولة إلى ما يشبه “الضمور القانوني” الذي تمارسه المؤسسات، سواء على مستوى الإعداد داخل الوزارة، أو المصادقة داخل المؤسسة التشريعية.
لقد أظهر القرار حجم التسرع والارتباك في التعامل مع نصوص قانونية استراتيجية، من المفترض أن تنظم جانبا أساسيا من حياة المتقاضين وتضمن أمنهم القضائي.
لكن ما حصل أن القانون المذكور تضمّن مقتضيات تمس بفصل السلط، وباستقلال القضاء، وسمح بتمرير صلاحيات فضفاضة للنيابة العامة وكذا لوزير العدل، في تجاهل واضح للضمانات الدستورية التي نص عليها دستور 2011.
هذا الانكشاف لا يُحرج فقط وزارة العدل، بل يطعن أيضاً في كفاءة و مصداقية المؤسسة التشريعية التي صادقت على القانون بأغلبيتها الساحقة دون تمحيص دقيق.
فما الجدوى من النقاشات البرلمانية، ومن عمل اللجان الدائمة، إن كانت النتيجة إخراج نص قانونًي يتضمن عدة مواد غير مطابقة أو مخالفة للدستور؟
ثمّة من يرى أن ما حدث يُثبت أن الهاجس الانتخابي و الاستعراضات البهلوانية و الحسابات الشخصية الضيقة ما زالت سيدة الموقف المهيمنة على صناعة القوانين و القرارت ، وأن البرلمان تحوّل في حالات كثيرة إلى غرفة تسجيل حضور و استعراض شعارات جوفاء، بدل أن يمارس دوره الرقابي والتشريعي باستقلال وكفاءة وفعالية .
الدرسٌ قاسٍ، لكنه ضروري. فالإصلاح لا يتحقق بالشعارات ولا بالتشريعات الرديئة، بل عبر قوانين محكمة تحترم الدستور، وتحمي المواطنين، وتكرّس استقلال القضاء. وما لم يُربط التشريع بالمساءلة السياسية والدستورية، سيظل المواطن يؤدي ثمن “إنتاج” انتخابي ملتبس لنخبة برلمانية “مشرعة” و”مراقبة” رديئة، تفتقد الحد الأدنى من الكفاءةالدستورية والتشريعية.