تخيل المشهد: تلاميذ يجلسون في صفوف منتظمة، لكن المقاعد خالية من الكتب، والأيدي لا تمسك كراسات.

تخيل المشهد: تلاميذ يجلسون في صفوف منتظمة، لكن المقاعد خالية من الكتب، والأيدي لا تمسك كراسات. ستون يومًا مضت على انطلاق العام الدراسي أو فترة “الدعم”، ثم يفاجأ هؤلاء الطلاب بأمر يدعو للاستغراب والأسف: لا يمكن للحصة الدراسية أن تنطلق بوجود الكراسات، فكيف ستنطلق أصلاً في غيابها؟
هذا الواقع المرير يطرح تساؤلاً كبيراً حول جدية العملية التعليمية برمتها. فبعد فترة دعم يفترض أنها تهدف إلى سد الثغرات وتثبيت المعارف، يجد التلميذ نفسه أمام حقيقة صادمة: أدواته الأساسية للدراسة غير متوفرة. الكراسة ليست مجرد أوراق، بل هي المساحة التي يدون فيها الطالب ملاحظاته، ويحل تمارينه، ويجسد فيها رحلة تعلمه. إن غيابها يعني تعطيل جوهري لأي عملية تعلم فعالة.
إن ربط انطلاق الحصة الدراسية بشروط غير منطقية، مثل “عدم وجود الكراسات”، في ظل النقص الفعلي لها، يعكس خللاً إدارياً أو لوجستياً خطيراً. فالهدف الأسمى للمدرسة هو توفير بيئة تعليمية متكاملة. وعندما يغيب أبسط مقومات هذه البيئة، يتحول الفصل إلى مكان للانتظار بدلاً من التعلم، وتصبح الساعات الطويلة على المقاعد مجرد وقت ضائع.
الأمر لا يقتصر على تأخير بسيط، بل هو تأثير سلبي مباشر على نفسية الطالب وتحصيله. كيف يُطلب من تلميذ مواكبة الدروس، وحفظ المعلومات، والاستعداد للامتحانات، وهو يفتقر إلى وسيلته لتدوينها ومراجعتها؟ إن هذا الوضع يبعث رسالة سلبية للطالب بأن التعليم ليس أولوية قصوى، مما يقتل الحافز لديه ويزيد من الهدر والتأخر الدراسي.
في الختام، يجب أن تكون الأولوية القصوى هي ضمان وصول الكراسات والكتب المدرسية إلى أيدي التلاميذ في الوقت المناسب، وقبل انطلاق أي برنامج دعم أو دراسة. فإصلاح التعليم يبدأ من توفير الأدوات الأساسية، لا بابتكار مبررات لغيابها. إن ستين يومًا من الجلوس بلا كراسات هي أيام ضائعة من عمر التلميذ وجهد المدرس، ونداء عاجل لإعادة النظر في آليات التوزيع والتخطيط لضمان حق الطلاب في التعلم الفعال.

 
				 
					


