هل تتّعظ حكومة أخنوش من أزمة الحكومة الفرنسية؟

أعاد المشهد السياسي الفرنسي إنتاج دروس قاسية في فن الحكم والتوازنات، بعد إعلان قصر الإليزيه، يوم الاثنين، قبول استقالة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو، بعد ساعات فقط من إعلان حكومته الجديدة. هذه الاستقالة السريعة، التي جعلته أقصر رؤساء الحكومات عمرًا في الجمهورية الخامسة منذ 1958، فتحت نقاشًا واسعًا حول مدى جدية الإصلاح، وضرورة التجديد، والقدرة على إدارة التحالفات السياسية. وهي دروسٌ قد تكون مفيدة لحكومة عزيز أخنوش في المغرب، التي تمر بمرحلة دقيقة من حيث الأداء والشرعية الشعبية.
واجه لوكورنو انتقادات لاذعة منذ اللحظة الأولى للإعلان عن تشكيلته الحكومية، التي ضمّت 12 وزيرًا من حكومة سلفه فرانسوا بايرو، وهو ما اعتبره الشارع والمعارضة الفرنسية “تدويرًا للنخب” واستخفافًا بمطلب التجديد. كما فجّر تعيين برونو لومير وزيرًا للدفاع موجة غضب داخل حزب الجمهوريين، أحد أهم حلفاء الرئيس ماكرون، مما أدى إلى اهتزاز قاعدة الدعم السياسي للحكومة. النتيجة كانت استقالة مبكرة، وعجزًا عن الاستمرار في مواجهة الضغط الحزبي والشعبي.
في المغرب، تقود حكومة عزيز أخنوش تحالفًا ثلاثيًا (الأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) منذ انتخابات 2021. ورغم ما رُوّج له في بداية الولاية من وعود بالتجديد والكفاءة، إلا أن الواقع كشف عن بطء في التفاعل مع الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وتردّد في تقييم الأداء الحكومي، ما جعل أصواتًا ترتفع من داخل وخارج الأغلبية، تطالب بتعديل وزاري يعيد الثقة ويضخ دماء جديدة.
ثلاث دروس مغربية من الأزمة الفرنسية
1. التجديد ليس شكليًا: حكومة لوكورنو حاولت تقديم “واجهة جديدة” بأسماء قديمة، ففقدت مصداقيتها سريعًا. حكومة أخنوش قد تواجه المصير نفسه إذا استمرت في تدوير بعض الأسماء دون اعتبار للكفاءة والتجديد الحقيقي.
2. التحالفات تحتاج ذكاءً سياسيًا: الأزمة الفرنسية كشفت أن تهميش الحلفاء السياسيين في مواقع القرار قد يؤدي إلى انهيار الدعم الحكومي. وهو ما ينطبق على تحالف الحكومة المغربية، الذي يتطلب توازناً حقيقياً، لا فقط تقاسمًا شكليًا للحقائب.
3. المحاسبة تحفظ الهيبة: استقالة لوكورنو لم تكن هروبًا، بل كانت اعترافًا ضمنيًا بأن التجربة لم تنجح. في المقابل، يبدو أن ثقافة “اللا محاسبة” لا تزال تهيمن في المغرب، ما يُضعف ثقة الشارع في العمل الحكومي.
في ظل استمرار التحديات الاقتصادية والاجتماعية، واحتدام الانتقادات للسياسات العمومية، قد يكون من الحكمة أن تبادر حكومة أخنوش إلى مراجعة خياراتها، ليس فقط بتعديل حكومي شكلي، بل بإعادة بناء ثقة المواطن، وتغليب منطق الكفاءة على الولاء الحزبي.
فرنسا، رغم اختلاف السياقات، قدمت درسًا سريعًا في أن بقاء الحكومة لا يتعلّق فقط بالدستور أو التوازنات البرلمانية، بل بمدى استعدادها للإصغاء، للتغيير، ولتحمّل المسؤولية.