مجتمع

حقوق الإنسان بالمغرب بين المعيارية والممارسة

 

 

في ظل التطورات السياسية التي شهدها المغرب، يعتبر دستور 2011 علامة فارقة في مسار تعزيز الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان، حيث جاء بنصوص تدعم الحقوق المتعارف عليها عالميًا، وسعى لوضع أسس قوية لحماية حقوق الأفراد وتعزيز حرياتهم ضمن إطار قانوني مرن يراعي التنوع المجتمعي في البلاد.
ورغم هذا التقدم الملحوظ، توجد مجموعة من التحديات التي تواجه تطبيق السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان على أرض الواقع؛ لكون المجتمع المغربي مجتمع متعدد الأبعاد الثقافية والاجتماعية، مما يتطلب اتباع مقاربة تأخذ بعين الاعتبار السياقات المحلية وتراعي الفوارق الثقافية والاجتماعية. فبينما تطمح المنظمات الدولية إلى تطبيق معايير حقوقية موحدة وشاملة، إلا أن مثل هذه المعايير قد لا تكون قابلة للتطبيق بالكامل في جميع السياقات، مما يستدعي تطوير حلول تتلاءم مع الواقع المحلي والوطني.
كما أن التوسع في حجم الحقوق المنصوص عليها في الدستور قد يؤدي إلى تحديات سوسيولوجية، حيث يواجه المجتمع صعوبة في استيعاب وتطبيق هذه الحقوق دفعة واحدة. في حين أن دعم هذه الحقوق يتطلب إجراءات عملية لتهيئة البيئة المجتمعية بما يتناسب مع حجم التغييرات.
ولا يتوقف الحديث عن حقوق الإنسان في المغرب عند البعد المالي فقط، بل يتجاوزه ليشمل أبعادًا سياسية وأمنية واجتماعية. فالتجربة أثبتت أن بعض السياسات الحقوقية قد تبقى مجرد حبر على ورق، خاصة في ظل التضخم الحاصل في السياسات العامة وصعوبات التمويل. كما أن التوترات الأمنية تشكل تحديًا أساسيًا، حيث تُعتبر حقوق الإنسان أحد أدوات التغيير التي قد تتعامل معها القوى السياسية بشكل يُفضي أحيانًا إلى مصالح متضاربة.
وتبرز هنا أيضًا التحديات المتعلقة بتداخل المصالح السياسية في العمل الحقوقي؛ إذ يميل بعض الفاعلين السياسيين إلى استغلال قضايا حقوق الإنسان لأغراض انتخابية، مما يؤدي إلى تداخل بين البرامج الحزبية والمصالح العامة، ويؤثر على مدى فعالية السياسات العامة في هذا المجال. فبدلاً من التعامل مع حقوق الإنسان كقضية مجتمعية محورية، يتم تهميشها في بعض الأحيان لصالح أهداف سياسية ضيقة.
ويأتي دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان كأحد أبرز الفاعلين في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، حيث يسعى إلى توفير سياسات حقوقية متكاملة ومستدامة تتجاوز المصالح الحزبية، وتعزز مفهوم حقوق الإنسان كجزء أساسي من التنمية المستدامة.
بشكل عام، فالحاجة ملحة إلى ضرورة تبني رؤية شاملة لحقوق الإنسان في المغرب، تعكس الواقع المحلي والوطني وتعالج التحديات السياسية والاجتماعية والأمنية. ومن أجل الوصول إلى تقدم فعلي في هذا المجال لابد من تظافر الجهود بين جميع الأطراف المعنية، لضمان تحول الحقوق الدستورية إلى واقع فعلي يلامس حياة المواطنين واحتياجاتهم الحقيقية.

 

 

محمد المصطفى خيا

-مهندس دولة خريج معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة،تخصص الهندسة البحرية وتربية الأحياء المائية

-مهندس دولة(درجة رئيس)؛ رئيس مصلحة بالمكتب الوطني للصيد ببوجدور

-رئيس مركز الساحل للدراسات والتحليل الإستراتيجي ببوجدور

-حاصل على الإجازة والماستر في الحقوق وباحث بسلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية

-فاعل مدني وسياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى