الصمت العربي
بقلم عبد المجيد ضاف
هكذا تتوالى وقائع التاريخ العربي عبر القرون الطويلة من الصمت المريب والتفرقة محملة بالمآسي والحروب، وحبلى بالمجازفات والنزوات والبطولات الزائفة. ولعل تاريخ فلسطين، القديم والحديث، يختزل كل هذه النكبات والانتكاسات والكوابيس. وكل أماكنها لا تعرف إلا آثار الدمار والأنقاض التي تملأ كل أحيائها وأزقتها وشوارعها، وأعراض الخوف والذعر والصراخ تملأ كل القلوب.. كل الأماكن إذن مليئة برائحة السلاح والجثث والنزيف وبكاء الأطفال وعويل النساء.. أماكن تمنحك إحساسا بأن الانتماء للعربية، ليس انتماء لعرق ولا لجنس ولا للغة، ولكن إلى قدر قاس لا مفر منه……. فكل مرة يشتبك فيها الفلسطينيون مع الإسرائليين ترتفع أصوات العرب والمسلمين بالتنديد والشجب وتنطلق المسيرات في الشوارع، وتنظم قصائد في الشعر، وترفع الأكف إلى السماء لنصرة الفلسطينيين العزل في مواجهة الاسرائليين المدججين بأحدث الأسلحة.
مقابل الكلام العربي والاسلامي الذي لا يبرح باحة التنديد، تنطلق مواقف وقرارات من واشنطن ولندن وباريس تؤيد إسرائيل في ما تسميه “حق الدفاع عن النفس”، فيستمر الضرب الإسرائيلي بلا هوادة ليزهق أرواحا فلسطينية جديدة، وينسف بنايات أخرى، ويعتقل المئات من الشباب، قبل أن تعود حالة الصمت إلى ما كانت عليه.
أصبح هذا السيناريو مألوفا مع تكبيد الطرف الفلسطيني مزيدا من الخسائر في ظل عجز عربي وإسلامي عن تقديم أي دعم حقيقي يقلب المعادلة أو على الأقل يجعل الفلسطينيين يشعرون بأنهم على قدم المساواة مع الإسرائليين من خلال وجود قوى خارجية حقيقية تساندهم وتدعم مطالبهم.
للأسف لا تمثل الأصوات العربية والإسلامية الداعمة للفلسطينيين قولا ولا فعلا، سوى البهرجة التي تستفيد منها إسرائيل في تعزيز أطروحتها بأنها كيان صغير ومسالم وديموقراطي مهدد وسط جحافل من الأنظمة العربية والإسلامية الديكتاتورية، وببن شعوب همج ترقص بالسيوف وتزف العرسان بطلقات الرصاص.
للأسف اعتادت أنظمة في العالمين العربي والإسلامي على التزود بوقود الشعبوية من دماء الفلسطينيين، فيما لم تقدم في الواقع أي دعم لهم، مكتفية بترديد مقولات من قبيل “حرب وجود لا حرب حدود”، و”إلقاء اليهود في البحر”، و”التطبيع تضبيع”، وغيرها من الشعارات التي في الحقيقة استعملت للاختباء وراء الصورة الخلفية للمسرحية التي تمثلها تلك الأنظمة على شعوبعا وعلى الناس أجمعين، وتمثل حتى على نفسها.
يعرف الجميع أن إسرائيل تفعل فعلتها بسبب وجود قوى دولية كبرى تدعهما، وعندما يتعلق الأمر بخيار المواجهة، فالفلسطينيون يبقون وحدهم في الساحة، فالشعارات الفارغة لا تفيدهم في شيء، ومن يفترض أن يكون حليفا لهم (العرب والمسلمين) تجده عاجزا حتى عن الإشارة بأصبعه إلى الدول الداعمة لإسرائيل ودعوتها إلى لجمها عن أفعالها.
أضعف الإيمان أن تجري الدول التي اختارت خيار التطبيع مع إسرائيل اتصالات مع الإسرائليين الرافضين للتصعيد ودعوتهم للضغط على الجناح المتشدد في الحكومة الاسرائلية من أجل إيقاف هذا النزيف …