تأهيل المعتقلين بين مقتضيات القانون رقم 10.23 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية وإكراهات الواقع

بقلم : دكتور سعيد
ملخص بالعربية:
أصبحت السياسة الجنائية المغربية تتوخى حماية المجتمع وإصلاح المجرمين لتطويق ظاهرة العود، وهو ما يفرض التركيز على سياسة عقابية هدفها تسهيل تأهيل المعتقلين، كما أن الدافع ينطلق أيضا من هاجس آخر هو بلورة المفهوم الحقيقي الذي تريد الدولة إعطاءه للعقوبة السالبة للحرية، وعلى اعتبار أن السجن فضاء لقضاء العقوبة وليس فضاء يسير حسب أهواء الناس، فلا بد أن يكون هناك انسجام بين مفهوم المشرع للعقوبة وبين الدافع لتنفيذها، إذ لابد أن يحصل نوع من الترابط وأن يكون هناك امتداد يحقق فيه القائمون على تنفيذ العقوبة لمقاصد السلطتين القضائية والتشريعية، حتى تكون هناك استمرارية في نفس التفكير و نفس النهج .
ملخص بالإنجليزية:
oroccan criminal policy has increasingly sought to protect society and rehabilitate offenders in order to curb recidivism. This necessitates focusing on a penal policy aimed at facilitating the reintegration of inmates. The underlying rationale also stems from another concern, namely the need to crystallize the genuine concept the State intends to ascribe to custodial sentences. Since prison is a space for serving punishment rather than one governed by individual whims, there must be coherence between the legislator’s conception of punishment and the purpose of its implementation. A certain degree of correlation is therefore required, ensuring continuity and alignment between the objectives pursued by both the judiciary and the legislature, so that the execution of sentences reflects a unified vision and consistent approach.
التقديم:
تعاني في وقتنا المعاصر أغلب المجتمعات الحديثة من تنامي الظاهرة الإجرامية وتنوعها، الأمر الذي فرض على الدول أن تعمل جاهدة على التصدي والحد من آثارها الوخيمة على المجتمع، وفي هذا الإطار حظيت الأوضاع داخل السجون والقضايا المرتبطة بها باهتمام دائم نظرا لما تعكسه من انشغالات يتقاطع فيها القانوني بالإنساني، والتدبير اليومي الشاق بانعكاسات السياسة الجنائية ومحاربة الإجرام بمتطلبات حماية كرامة الإنسان وإعادة تأهيله.
وفي هذا الصدد أصبحت السياسة الجنائية المغربية تتوخى حماية المجتمع وإصلاح المجرمين لتطويق ظاهرة العود، وهو ما يفرض التركيز على سياسة عقابية هدفها تسهيل تأهيل المعتقلين، كما أن الدافع ينطلق أيضا من هاجس آخر هو بلورة المفهوم الحقيقي الذي تريد الدولة إعطاءه للعقوبة السالبة للحرية، وعلى اعتبار أن السجن فضاء لقضاء العقوبة وليس فضاء يسير حسب أهواء الناس، فلا بد أن يكون هناك انسجام بين مفهوم المشرع للعقوبة وبين الدافع لتنفيذها، إذ لابد أن يحصل نوع من الترابط وأن يكون هناك امتداد يحقق فيه القائمون على تنفيذ العقوبة لمقاصد السلطتين القضائية والتشريعية، حتى تكون هناك استمرارية في نفس التفكير و نفس النهج .
وبالرجوع للتطورات التي عرفتها سياسة تنفيذ العقوبة نجد أن نزلاء المؤسسات السجنية كانوا يعيشون تهميشا تفرضه النظرة الدونية التي يحملها لهم المجتمع، وكان للإصلاح مفهوم شاذ، فكان من الضروري أن يعاد النظر في الفضاء السجني وتقنن الإمكانيات المخولة للمعتقلين، من أجل تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع.
ولا بد هنا من التأكيد على أن التراكمات التي تحققت، والإصلاحات المنجزة في هذا الإطار جاءت كتعبير عن إرادة سياسة مثلثها العناية الملكية بالأوضاع في السجون، سواء من خلال الزيارات المباشرة أو إحداث مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج المعتقلين، أو تطوير المكانة القانونية لإدارة السجون وغيرها من الإجراءات، وقد رسم الدستور المغربي لسنة 2011 رؤية جديدة لوظيفة المؤسسة السجنية ومتطلبات مراقبة القوانين المتعلقة بالاعتقال والحرمان من الحرية بما يتماشى ومرجعية حقوق الإنسان وحماية حقوق المعتقلين.
ويتطلب إصلاح نزلاء المؤسسات السجنية وتأهيلهم لإعادة إدماجهم في المجتمع إمكانيات و جهود بشرية لا حصر لها لتـفـريد العقاب والعلاج و هو ما جعل البعض يصفها بمثالية العلاج والإصلاح، لهذا يتعين التفكير بجدية في كيفية تنفيذ هذا التأهيل من خلال التحلي بالواجب القانوني وخلق علاقات تبادلية بين مختلف المؤسسات التي تعنى بالتأهيل لأنه من الصعوبة بمكان علاج المنحرفين بنفس الوسائل والطرق المعتمدة تقليديا في ظل التطورات التي يشهدها المنتظم الدولي في هذا الإطار.
وعلى الرغم من الخطط المسطرة تشريعيا لتحقيق هدف التأهيل فإن أكبر عائق لتحقيق هذه الغاية، هو مصطلح المجرم الذي يظل يلاحق الشخص الذي سبقت إدانته بعقوبة سالبة للحرية على إثرها تم وضعه داخل المؤسسة السجنية، والذي يعتبر في حد ذاته عقوبة إضافية للمنع من الإدماج يكرسه الإقصاء من الولوج للعديد من الوظائف واقتحام عالم الشغل، مما يسد أبواب الأمل أمام هؤلاء، و يكون السبب في العودة إلى الجريمة.
وعليه فإن الإدماج الحقيقي في المجتمع يتمثل في تأهيل المعتقلين وإعدادهم على المستويين التربوي و النفسي والاجتماعي، لكي يصبحون قادرين على التوافق من جديد مع ذويهم ومع الآخرين، بشكل يمكنهم من العودة إلى العيش داخل المجتمع بطريقة إيجابية دون حقد و انتقام و لا شعور بالنقص، وبالتالي إعلان المعتقل القطيعة مع ماضيه الإجرامي، وهذا لن يتحقق إلا من خلال عدة معطيات لعل أبرزها تدعيم الرعاية اللاحقة بشكل جدي عبر إسناد هذا الدور إلى المؤسسات العامة عبر ترسانة قانونية واجبة التطبيق، وكذا مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص لتوفره على الإمكانيات اللازمة لذلك. ومن خلال كل ما سبق يمكن القول إن الموضوع يطرح إشكالية رئيسية مفادها:
إلى أي حد يمكن لبرامج تأهيل المعتقلين المسطرة تشريعيا أن تحقق الأهداف المرجوة من العقوبة السالبة للحرية ؟
و تتفرع عن هذه الإشكالية تساؤلات يمكن إجمالها في ما يلي :
هل يقتصر دور المؤسسات السجنية على تنفيذ العقوبة فقط ؟
هل للمؤسسات السجنية و لوسائل العقاب أثر في إصلاح الجاني و تأهيله ؟
هل أوجد المشرع برامج تتلائم مع مدة العقوبة ؟
هل المشرفين على المؤسسات السجنية مستعدون للقيام بمهامهم على أحسن وجه؟
هل كل المعتقلين يحتاجون للتأهيل؟ أم أن هناك فئة تحتاج له دون الأخرى؟
وللإجابة الإجابة على الإشكالية الرئيسية و التساؤلات الفرعية فإن الأمر يقتضي تناولها من خلال التقسيم التالي:
المبحث الأول: الإطار القانوني والمؤسساتي لتأهيل المعتقلين
المطلب الأول: المقتضيات التشـريعية الوطنية والدولية
المطلب الثاني: المؤسسات الفاعلة في تأهيل المعتقلين
المبحث الثاني: تأهيل المعتقلين الواقع والإكراهات وسبل المعالجة
المطلب الأول: برامج التأهيل لإدماج المعتقلين
المطلب الثاني: معوقات تأهيل المعتقلين وسبل المعالجة
المبحث الأول: الإطار التشريعي والمؤسساتي لتأهيل المعتقلين
يعتبر السجن فضاء مغلقا على نفسه مستقلا بذاته، تتكلف فيه الإدارة العقابية بتدبير حياة المعتقلين وسلطتها في ذلك مطلقة أو تحكمية، واهتمامها ينصب على حفظ الأمن والنظام داخل السجن ولو على حساب المحكوم عليه أحيانا، وهو ما ينسجم مع وظيفة العقوبة التقليدية، بحيث كان الهدف منها الانتقام والإيلام، لكن هذه الوضعية تتعارض مع ما تفرضه كرامة الإنسان من احترام.
ولكن هذه الفلسفة لم تصمد كثيرا أمام المطالبات التي تنادي بتحسين وضعية المعتقل وأنسنة العقوبة، حيث أصبح الهدف منها تأهيل وإصلاح المحكوم عليهم من أجل إعادة إدماجهم في المجتمع، هذا التحول سرعان ما تأثرت به التشريعات الدولية والوطنية على حد سواء، حيث تدخلت لتنظيمه ودمجه في منظومتها القانونية، (المطلب الأول) إلى جانب خلق مؤسسات وهيئات خاصة تعنى بتأهيل المعتقل (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تأهيل المعتقلين في ضوء التشريع الدولي والمغربي
عرفت عملية تأهيل المعتقلين تطورا ملحوظا منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي، ويعود الفضل إلى التشريع الدولي في تكريس مقتضيات قانونية تؤطر وتنظم هذا المجال الصعب، وذلك وعيا من المشرع الدولي بأهمية عملية التأهيل في حياة المعتقل بعد الإفراج عنه، فكيف كرس المشرع الدولي عملية تأهيل المعتقلين؟ وما هي أهم المقتضيات التي تعنى بتأهيلي المعتقلين في التشريع الدولي؟ (الفقرة الأولى) وما هو موقف المشرع المغربي من عملية التأهيل؟ وما هي أبرز المقتضيات القانونية المتعلقة بعملية التأهيل في التشريع المغربي؟ (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تأهيل المعتقلين في ضوء التشريع الدولي
اهتم التشريع الدولي بالوظيفة الجديدة للعقوبة التي ترتكز على إصلاح المعتقل وتقويمه وتأهيله من اجل إعادة إدماجه في المجتمع، وخصص الكثير من المقتضيات التي تنظم حقوق المعتقلين وتساعدهم على التأهيل، وسنقوم من خلال هذا البحث التركيز على أهم ما جاء من مقتضيات وأحكام وضوابط تنظم عملية تأهيل المعتقلين على مستويين وهي:
أولا: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
يعتبر العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من أبرز الوثائق التي تدعم حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، حيث تنص المادة 10 منه على ضرورة توفير معاملة إنسانية للمسجونين، مع التركيز على الجانب الإصلاحي والتأهيلي للعقوبة، وهذا يعكس تطور الفقه الجنائي الحديث الذي يهدف إلى تحقيق العدالة الجنائية الإصلاحية بدلاً من الاقتصار على العدالة العقابية التقليدية.
وقد نصت الفقرة الأولى من المادة أعلاه على أن جميع المحرومين من حريتهم يجب أن يُعاملوا معاملة إنسانية تحترم كرامتهم ، ويستند هذا المبدأ إلى فلسفة حقوق الإنسان التي تؤكد على أن فقدان الحرية لا يجب أن يعني فقدان الكرامة، وهو ما يتماشى مع المبادئ التي وضعتها الأمم المتحدة.
كما شددت الفقرة الثانية من المادة المذكورة على التمييز بين الفئات داخل المؤسسات العقابية، مما يحتم على هذه الأخيرة الفصل بين الفئات المختلفة من المعتقلين، في سبيل ضمان عدم خلط غير المدانين الذين لا يزالون يتمتعون بقرينة البراءة مع المدانين الذين صدرت بحقهم أحكام نهائية، إلى جانب الفصل بين الأحداث والبالغين لضمان عدم تأثر الأحداث بالسلوك الإجرامي للبالغين، مما يسهم في تعزيز فرص إصلاحهم واندماجهم في المجتمع بسرعة.
ويظهر البعد الإصلاحي والتأهيلي للعقوبة من خلال الفقرة الثالثة من المادة أعلاه، والتي أكدت على أن العقوبة يجب ألا تكون انتقامية، بل يجب أن تهدف إلى إصلاح المعتقلين وإعادة تأهيلهم ليكونوا أعضاءً منتجين في المجتمع بعد الإفراج عنهم، كما نصت هذه الفقرة على ضرورة فرض معاملة خاصة للأحداث الجانحين بما يتناسب مع أعمارهم ووضعهم القانوني.
ثانيا: القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المعتقلين
تعتبر القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المعتقلين قواعد ومبادئ توجيهية، تمثل الحد الأدنى لمعاملة المعتقلين من قبل القائمين على إدارة المؤسسات السجنية، حيث تم تبنيها لأول مرة من قبل الأمم المتحدة سنة 1955 وتم تعديلها لاحقًا في 2015 ، هذه القواعد والمبادئ تجسد توجه التشريع الدولي نحو أنسنة العقوبة وإعطاء المزيد من الحقوق والضمانات للمعتقلين وذلك قصد ضمان أنجع الطرق لتأهيلهم من اجل إعادة إدماجهم بعد الإفراج عنهم، وفيما يلي بعض الأحكام والمقتضيات التي تتعلق بالتأهيل وإدماج المعتقلين المنصوص عليها في هذه القواعد النموذجية الدنيا :
إن المواد 24-25-26 و29 أغلبها تؤكد على ضرورة شمول المؤسسات السجنية للعديد من البرامج لضمان تأهيل الحدث الجانح.
وقد خصصت الاتفاقية المتعلقة بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المعتقلين في الجزء الثاني منها والمعنون ب(قواعد تطبق على فئات خاصة) للمظاهر التي يرتكز عليها التأهيل حيث سنتطرق إلى بعضها:
التصنيف والمعالجة:
من المرتكزات التي يقوم عليها التأهيل هي التصنيف والمعالجة إلى جانب العمل ولقد أتت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المعتقلين على ذكر المعالجة والتصنيف الفئوي وفق مايلي:
المعالجة: (المواد 65 إلى 66)
جاء في المادة 65 ما يلي: إن الهدف من معالجة المحكوم عليهم بالسجن أو بتدبير مماثل من الحرية يجب أن يكون بقدر ما تسمح بذلك مدة العقوبة إكسابهم العزيمة على أن يمشوا في ظل القانون وان يتدبروا احتياجاتهم بجهدهم، وجعلهم قادرين على إنقاذ هذه الغريبة ويجب أن يخطط هذا العلاج بحيث يشجع احترامهم لذواتهم ويمن لديهم حسن المسؤولية.
التصنيف الفئوي وإفرادية العلاج: (المواد من 67 إلى 69)
تنص المادة 67 على أن مقاصد التصنيف الفئوي يجب أن تكون كما يلي:
أن يفصل عن الآخرين أولئك المسجونون الذين يرجح، بسبب ماضيهم أو شراسة طباعهم، أن يكونوا ذوي تأثير سيء عليهم.
أن يصنف المسجونون في فئات ما بغية تيسير علاجهم على هدف إعادة تأهيلهم الاجتماعي.
العمل:
يعتبر العمل العمود الفقري لعملية التأهيل ولقد أفرزت له القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المعتقلين المواد من 71 إلى 76 ، و جاء في المادة 71 ما يلي:
لا يجوز العمل في السجن ذات طبيعة مؤلمة.
يفرض العمل على جميع المعتقلين المحكوم عليهم تبعا للياقتهم البدنية والعقلية كما يحددها الطبيب.
يوفر للمعتقلين عمل منتج يكفي لتشغيلهم طوال يوم العمل العادي.
يكون هذا العمل إلى أقصى الحدود المستطاعة، من نوع يصون أو يزيد قدرة المعتقل على تأمين عيشه بكسب شريف بعد إطلاق سراحه.
يوفر تدريب مهن نافع للمعتقلين القادرين على الانتفاع به ولاسيما الشباب
تتاح للمعتقلين في حدود ما يتماشى مع الاختيار المهني السليم ومتطلبات إدارة السجن والانضباط فيه إمكانية اختيار نوع التعلم الذي يرغبون القيام به.
ج- التعليم والترفيه: (المواد 77 إلى 78)
نصت المادة 77 من الفقرة الأولى منها على ما يلي: تتخذ إجراءات لمواصلة تعليم جميع المعتقلين القادرين على الاستفادة منه، بما في ذلك التعليم الدين في البلدان التي يمكن فيها ذلك ويجب أن يكون تعليم الأميين والأحداث إلزاميا وان توجه إليه الإدارة عناية خاصة.
أما الفقرة الثانية من المادة 77 فقد تضمنت ما يلي:
يجعل تعليم المعتقلين في حدود المستطاع عمليا متناسقا مع التعليم العام في البلد بحيث يكون في مقدورهم، بعد إطلاق سراحهم، أن يواصلوا الدراسة دون عناء.
وأما المادة 72 فتتحدث عن الترفيه، أي أنه تنظم في جميع السجون حرصا على رفاه المعتقلين البدني والعقلي، أنشطة ترويجية وثقافية.
الفقرة الثانية: موقف المشرع المغربي من عملية تأهيل المعتقلين
لقد كان المشرع المغربي سباقا للأخذ بأغلب القواعد والأحكام التي تعمل على تحسين وضعية المعتقلين وذلك ضمن مقتضيات القانون 10.23 ومرسومه التطبيقي يعتبر من أرقى القوانين في العالم، والملاحظ أن أغلب هذه القواعد والأحكام تعمل على تأهيل المعتقلين من اجل إعادة إدماجهم في المجتمع ونظرا لكثرة النصوص ذات الصلة بالتأهيل وصعوبة الإحاطة بأغلبها سنعمل خلال هذا البحث التركيز على بعض مظاهر تأهيل المعتقلين في القانون 10.23، ومن دون إغفال موقف الدستور من حقوق المعتقلين.
أولا: تأهيل المعتقلين على مستوى دستور 2011
يطلق اغلب الباحثين والفقهاء الدستوريين على الدستور المغربي لسنة 2011 دستور حقوق الإنسان، حيث عمل المشرع المغربي على ملائمة منظومته القانونية مع منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا، وجعلها من أول التزامات المملكة المغربية، هذا ما أكده في التصدير، وخصص الباب الثاني من الدستور 2011 للحقوق والحريات الأساسية، ومن ضمن هذه الحقوق، حقوق للمعتقلين وضمان حقهم في التأهيل حيث جاء ضمن مقتضيات الفقرة السادسة والفقرة السابقة من الفصل 23 ما يلي: ” يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية وبظروف اعتقال إنسانية، ويمكنه أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة الإدماج”.
ثانيا: تأهيل المعتقلين في إطار القانون 10.23
تتضمن مقتضيات القانون 10.23 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، العديد من صور مظاهر عملية تأهيل المعتقلين لذلك سنقوم بالتركيز على بعضها في دراستنا:
تصنيف المعتقلين:
يعتبر تصنيف المعتقلين العمود الفقري لعملية التأهيل، إذ أن التصنيف العلمي الدقيق يساعد في تحقيق التأهيل للغاية المتوخاة منه، ولقد كرس المشرع في القانون 10.23 العديد من المقتضيات حيث جاء في نص المادة 4 ما يلي: يحدد بنص تنظيمي ترتيب المؤسسات السجنية إلى أصناف حسب أهميتها وتخصصها.
وأيضا قسم المشرع المؤسسات السجنية إلى أربعة أنواع من خلال المادة 3 حيث جاء فيها ما يلي:
” تقسم المؤسسات السجنية إلى: 1- السجون المركزية 2- السجون الفلاحية 3- السجون المحلية 4- مراكز الإصلاح والتهذيب ، يحدد بنص تنظيمي التنظيم الهيكلي والإداري للمؤسسات السجنية “. وتتوفر هذه المؤسسات على تنظيم إداري ونظام امن داخلي يهدفان إلى تأمين وتطوير سبل إعادة إدماج المدانين في المجتمع.
ويتم تصنيف المعتقلين عند إيداعهم بالمؤسسة السجنية، أو في أقرب وقت ممكن من ذلك، وفق معايير تحددها الإدارة المكلفة بالسجون، وذلك بهدف تحديد الخطة الفردية للتأهيل والإدماج لكل معتقل تشمل الأنشطة التعليمية والتكوينية والمهنية والثقافية والرياضية التي سيشارك فيها.
تشغيل المعتقلين:
يعتبر تشغيل المعتقلين إلى جانب تصنيفهم العمود الفقري الذي ترتكز عليه عملية تأهيل المعتقلين، وحرصا من المشرع على أهمية العمل في حياة المعتقل، وتحديدا المعتقلين الذين يتركون خلفهم عائلات وأطفال لقد خصص المشرع المغربي الفرع الثاني من الباب الرابع المواد من (140 إلى 149) لعمل المعتقلين ووضع ضوابط لممارسته كلها تراعي مصلحة المعتقل وتعمل على تأهيله وإعادة إدماجه في المجتمع ليصبح فاعلا إيجابيا بعد الإفراج عنه.
ومن شروط العمل أن يكون بمقابل وهذا ما أكدته المادة 147 التي نصت على أنه “يمنح للمعتقل الذي يزاول عمال في إطار الأشغال العامة أو في الورشات الحرفية أو الوحدات الإنتاجية أو الخدماتية، مقابل مالي يحدد مبلغه بنص تنظيمي”.
ج- علاقة المعتقلين بالخارج:
وعيا من المشرع المغربي بأهمية انفتاح المعتقل مع الخارج والحفاظ على أواصر العلاقة تحديدا مع العائلة والأقارب خصص الفرع الثاني من الباب الثالث من القانون 10.23 لتنظيم اتصال المعتقلين مع العالم الخارجي ويتم هذا التواصل عبر صورتين:
الصورة الأولى: الزيارات التي نضمها المشرع المغربي في المواد من 69 إلى 85 ووضع ضوابط لكيفية حصول هذه الزيارات وتوقيتها.
الصورة الثانية: المراسلات واستعمال وسائل الاتصال التي نضمها المشرع في المواد من 86 إلى 95 وأيضا حدد من خلالها كيفية حصول المراسلات ومن الأشخاص الذين يمارسون عملية الرقابة عليها.
المطلب الثاني: المؤسسات والهيئات المنوط بها تأهيل المعتقلين
إن أداء المؤسسات السجنية والإصلاحية بالمغرب لوظائفها وتقديم الخدمات لنزلائها في حدودها الضرورية والأساسية أصبحت محط انتقاد أغلب المؤسسات الحقوقية بالمغرب وخارجه ، وذلك راجع بالأساس إلى سوء الأوضاع داخل المؤسسات السجنية والعراقيل التي تشوب العملية التأهيلية بها، وفي هذا الصدد جاءت مجموعة من المؤسسات بإرادة لتوحيد الرؤيا حول إصلاح المؤسسات السجنية والرقي بالغاية التي استهدفها المشرع من العقوبات السالبة للحرية.
الفقرة الأولى: الهيئات الرسمية
أولا: مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج المعتقلين
أحدثت هذه المؤسسة سنة 2002 وتضطلع بالعمل في مجال إعادة الإدماج الاجتماعي للنزلاء، ويعتبر إنشاء مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج المعتقلين تجسيدا للإرادة الملكية لضمان الكرامة الأساسية للمعتقلين من خلال تمتيعهم بظروف من شأنها المحافظة على احترام أنفسهم، والرفع من شعورهم بالمسؤولية اتجاه ذواتهم وذويهم ، ومن بين الأهداف والمهام التي حملتها هده المؤسسة على عاتقها منذ تأسيسها هو أنسنة وسط الاعتقال، وذلك من خلال المساهمة في تحسين تهيئة السجون عن طريق تطوير برامج التربية والتكوين المهني لتيسير تأهيل المعتقلين.
ولهذا فهي تعتبر قوة استراتيجية تشعر بمكامن الخلل في تدبير المؤسسات السجنية وتكشف عن الاختلالات فيها، وقد عملت على تنظيم مجموعة من المحاور تهم على الخصوص مجالات التنشيط السوسيوثقافي والرياضة ومحو الأمية والعلاجات الطبية والتكوين المهني، هدفها الأساسي تكوينهم مهنيا وتطوير مؤهلاتهم وملكاتهم، وذلك من خلال برامج على غرار برنامج “الجامعة في السجون”، والذي ينظم تحت الرعاية السامية لجلالته، إضافة الى برنامج “مصالحة” والذي أصبح ينظم تحت إشراف مركز “مصالحة” المحدث بتعليمات ملكية سامية دعما للجهود الوطنية لمكافحة التطرف العنيف، وإعادة تأهيل وإدماج المحكوم عليهم في قضايا الإرهاب.
ثانيا: المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج
جاء في كلمة للسيد المندوب العام بمناسبة الاحتفال بالذكرى 17 لتأسيس المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بأن إحداث المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج جاء استجابة لحاجة بلادنا إلى تطوير شامل للمنظومة السجنية والنهوض بأوضاع السجناء وفق مقاربة حديثة توفق بين مقتضيات الأمن واحترام حقوق الإنسان والسعي الحثيث نحو إعادة إدماج السجناء. ومنذ ذلك الحين وهذه المندوبية العامة تعمل بتفانٍ ومسؤولية، مستلهمة توجيهات القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وملتزمة بقيم وأسس دولة الحق والقانون.
وهكذا عملت المندوبية في إطار أنسنة ظروف الاعتقال على تطوير أداء الموظفين للقيام بالمهام المنوطة بهم من خلال تكوينهم وتحفيزهم على إعادة الانضباط داخل المؤسسات وكدا تنفيذ عدة برامج لإعادة تأهيل المؤسسات السجنية و بناء مؤسسات سجنية جديدة بمواصفات عصرية وتعزيز سياسة التكوين المهني وتكثيف الأنشطة الثقافية والرياضة، وتقوم المندوبية العامة برسم الخطوط العريضة لبرامج العمل الاجتماعي وتسهر عليها مديرية العمل الاجتماعي والتفافي لفائدة المعتقلين رغبة في إعادة إدماجهم .
ثالثا: وزارة العدل
عملت وزارة العدل على تكثيف الجهود على مختلف الواجهات التي تشكل مواطن ضعف سواء بالنسبة للعمل القضائي أو المؤسسات الساهرة على تنفيذ العقوبة، وذلك بوضع خطة للتحسيس والتقييم المستمر لفائدة القضاة، وكذا التنسيق مع باقي الفاعلين في هذا المجال، وفي هذا الإطار أنجزت الوزارة برنامجا لتكوين قضاة الأحداث بتعاون مع منظمة اليونيسف وكذا وزارة العدل الفرنسية، لتلقي تداريب خارج المملكة غايتها تحسيسهم بأهمية العمل وتعريفهم بالمعايير الدولية فيما يتعلق بعدالة الأحداث ومستويات التأهيل، إضافة إلى أنه يتم العمل مع مجموعة من القطاعات الحكومية في مجال التأهيل، ومن أبرزها نجد:
مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل؛
وزارة الفلاحة: التكوين في الميدان الفلاحي؛
وزارة التربية الوطنية: برامج محو الأمية والتربية غير النظامية والتعليم بمختلف مستوياته ؛
مندوبية الشباب والرياضة: أنشطة رياضية ومسابقات ترفيهية؛
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية: برامج الوعظ والإرشاد وتحفيظ القرآن؛
وزارة الثقافة: أنشطة ثقافية، تربوية، فنية، تزويد المؤسسات بالكتب والمؤلفات.
الفقرة الثانية: الهيئات غير الرسمية
إن إصلاح الحدث وإعادة تأهيله لا يمكن أن يتم على الوجه الأكمل دون فتح المجال أمام المهتمين بالمجال الحقوقي من جمعيات ومنظمات، بغية إشراكها في إنجاز هذه المهام، وذلك بنهج سياسة الانفتاح والمساعدة وتسهيل وسائل الاشتغال بعيدا عن التوجس، والحيطة خاصة و أن الظروف الراهنة لا تسمح للدولة بأن تحتفظ بكل الأدوار، من هنا يبرز بصفة واضحة الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه مكونات المجتمع المدني كشريك ومساند للجهات الرسمية.
إن المجتمع المدني باعتباره أحد الركائز الأساسية المكونة للفعاليات غير الحكومية التي تسعى إلى الرفع من مستوى الحياة العامة للمواطنين في كل المجالات، فالحركية التي يعرفها المجتمع المدني بمختلف مكوناته ما هو إلا نتيجة للقفزة النوعية التي عرفها ميدان حقوق الإنسان، حيث انصب الاهتمام على تحسين ظروف السجن وتحويله من فضاء للعقاب إلى فضاء لإعادة التربية والتهذيب.
وفي هذا المجال كان الحرص على أن يتضمن التشريع فتح بوابات المؤسسات السجنية في وجه المهتمين بالمجال الحقوقي، ومن بين أهم الآليات التي يعتمد عليها حاليا مختلف مكونات المجتمع المدني هي القيام بأبحاث ودراسات ، وزيارات ميدانية و استطلاع الآراء، مما يقرب الجهات الرسمية من الواقع المعاش للمعتقلين داخل أسوار السجون المغربية، وتعمل في هذا الإطار بعض الجمعيات على رصد الخروقات التي يتعرض لها مركز تنفيذ العقوبات عن طريق المعاينة، أو الشكايات التي غالبا ما تتضمن مظاهر الانتهاكات والخروقات التي استهدفت كرامة النزيل أو المعتقل، ومن جانبها تعمل على دراسة هذه الشكايات و تبليغها إلى الجهات المسؤولة لتلقي جواب عن ذلك، محاولة منها في إصلاح الوضع وتجاوزه.
لكن الواقع العملي أثبت أن دور هذه الجمعيات غالبا ما لا يتعدى الزيارات الروتينية وتقديم بعض المساعدات المادية للنزلاء في بعض المناسبات “شهر رمضان وعيد الأضحى” مما يجعل ما تقوم به لا يكتسي صبغة الإصلاح إلا في بعض الحالات والواقع أن دورها في إعادة تأهيلهم يجب أن يكون واضحا ومؤثرا.
وعليه بعد أن تطرقنا للإطار التشريعي والمؤسساتي للتأهيل، فماذا عن واقع تأهيل المعتقلين بالمؤسسات، وما هي معوقات التأهيل وسبل تجاوزها ومعالجتها، وهو ما سنعالجه في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: تأهيل المعتقلين الواقع والإكراهات وسبل معالجتها
مرت وظيفة السجن بمراحل متعددة تبعا لتطور وظيفة العقوبة، إلى أن استقر في الفكر العقابي أن السجون ينبغي أن تكون مؤسسات عقابية تهدف إلى الإصلاح والتأهيل وإعادة إدماج المعتقلين في المجتمع بعد الإفراج عنهم، الأمر الذي يحتم أن تكون هذه المؤسسات مهنية مستعدة لاستقبال المحكوم عليهم وتأهيلهم، عبر مجموعة من البرامج الإصلاحية (المطلب الأول) وتهيئتهم لمواجهة الحياة العادية خارج السجن، لكن أثبت الواقع العملي وجود مجموعة من الإكراهات تعيق عملية تأهيل المعتقلين (المطلب الثاني) ولمواجهة هذه المعيقات والمشاكل سارعت مجموعة من الدول إلى إيجاد حلول من أجل إنجاح عملية تأهيل المعتقلين لإعادة إدماجهم داخل المجتمع.
المطلب الأول: البرامج إصلاحية والتهيئ للإفراج عن المعتقلين
لقد استقر في الفكر العقابي الحديث، أنه لكي تؤدي المؤسسات السجنية دورها الإصلاحي والتأهيل في إطار البعد المزدوج للعقوبة “ردع وتأهيل”، فلابد من أن يكون لديها برامج وسياسيات هادفة مبنية على تلبية متطلبات النزيل النفسية والأخلاقية والدينية والمهنية، والتي تكتسي أهمية بالغة في تعديل سلوك المعتقل وتؤهله للخروج والاندماج في المجتمع بعد انقضاء مدة العقوبة، وعليه سنتطرق لأهمية البرامج الإصلاحية في الفقرة الأولى على أن نتناول بعض أنواع البرامج الإصلاح والتهذيب في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: أهمية البرامج الإصلاحية في تجسيد فلسفة الإصلاح وإعادة الإدماج:
إن الدور الإصلاحي والتربوي التي تنهجه المؤسسات السجنية، يهدف بالأساس إلى إعادة الثقة في نفوس المدانين “المعتقلين”، لتوجيههم في أعمال مهنية، وتعليمية حسب مستوياتهم الدراسية قصد تكوينهم وإعطاءهم فرصا جديدة في الاستفادة من مختلف الميادين طيلة قضاء العقوبة.
ولا يتأتى هذا إلا بخلق أوراش مهنية، ومراكز تعليمية تربوية، وتوفير مجال التنشيط الفني، الثقافي الرياضي، وذلك لجعل المعتقل بعد إصلاحه، شخصا لائقا وفعالا في المجتمع، حتى لا يعود إلى ارتكاب الجريمة من جديد بعد الإفراج عنه، فالوقاية خير من العلاج كما يقال.
إن الغاية طبعا هي حماية المجتمع من الانحراف والمنحرفين ، والجريمة ومكافحتها بالطرق الرادعة، ولتحقيق ذلك يتعين بدل مجهودات جبارة ومتواصلة في هذا المجال، وبمساعدة فعاليات المجتمع المدني لمحاربة الجريمة بشكل عام، وكيفما كان الحال فإن المؤسسات السجنية والمراكز الإصلاحية تحمل على عاتقها مسؤوليات كبيرة لمكافحة الجريمة بشتى الوسائل الإصلاحية، والتربوية والتأهيلية إلى غيرها من الوسائل التي ستحقق نوعا من الإصلاح وتساعد على إعادة إدماج المعتقلين داخل المجتمع.
وتساهم السجون في هذا الصدد في إعادة تربية وتأهيل كل المخالفين الخارجين عن القانون، بهدف الحفاظ على التماسك الاجتماعي وحماية الحقوق الفردية والجماعية للأفراد وكذا مؤسسات الدولة.
الفقرة الثانية: التأهيل المادي والمعنوي للمعتقلين:
إن عملية الإصلاح في المفهوم السجني تتبلور فيما مدى تقويم المعتقل وتأهيله أي جعله قادرا، مسؤولا ومتمكنا من نفسه لمواجهة الحياة العادية بكل ثقة، كي يسهل إدماجه في وسطه الاجتماعي والأسري، وتجنب وقوع المجرم في الانحراف والإجرام مرة أخرى بعد خروجه من المؤسسة السجنية، والعمل على تأهيله بشكل يساعد على إدماجه داخل المجتمع بسهولة عبر مجموعة من البرامج والوسائل الإصلاحية على جميع المستويات.
فمن جملة البرامج والمساعدات الاجتماعية الموجودة رهن إشارة المعتقلين بدون تمييز سواء في مجال التربية والتأهيل أو مجال المساعدة الاجتماعية، حيث تندرج هذه البرامج المقدمة في شكلها التربوي والأخلاقي والاجتماعي والإعلامي، بكل انتظام وانضباط واهتمام بالغ وشفافية مطلقة منفتحة أمام الوافدين من النزلاء والمراقبين والمهتمين بحقوق الإنسان لكي يضطلع الجميع على المؤسسات السجنية والإصلاحية من مسؤوليات كبرى اتجاه الإنسان السجين.
التأهيل المادي للمعتقل:
إن أهم ما يمكن التركيز عليه في مجال التربية والتأهيل المقدمة للنزلاء وهم داخل أسوار السجن، هو مساعدتهم على التعلم والتكوين في مختلف المهن وكذا الإفصاح عن ملكاتهم بالتعبير والإبداع، وذلك من أجل الخروج من ظلمات السجن والروتين اليومي في السجن، حيث كان المعتقلين في العصور القديمة يتظاهرون بالحياة ويقضون معظم أوقاتهم في نبش الذكريات لاستدعاء لقطات سابقة يتماهى معها المعتقل، ويتلذذ بإعادة تصورها كما قال نيتشه “نحن لا نتحرر إلا من خلال التذكر”، فاللجوء إلى أحلام اليقظة من أجل نسج صور من المتعة تقذف بالمعتقل في خارج الأسوار السجن، وهناك من المعتقلين من كانوا ينشغلون بالحكايات والطرائف لملئ أوقاتهم، لكن في الوقت الحالي استحدثت التشريعات مجموعة من البرامج في مجال التربية والتأهيل كتعليم المعتقلين والسهر على إعداد برامج في التكوين المهني، وكذا الوعظ والإرشاد الديني ودروس محو الأمية وكذا التنشيط الفني والثقافي والرياضي.
التأهيل التربوي:
التعليم:
إن الإقبال على التعليم في جميع مراحله داخل المؤسسة السجنية أمر ضروري ومفيد فعملية التعلم والتهذيب داخل السجون كانت لها جذور قديمة منذ عهد سيدنا يوسف عليه السلام حيث كان بعض المعتقلين يعلمهم الأحكام الشرعية مصداقا لقوله تعالى: “يا صاحبي السجن أأرباب متفوقون خير أم الله الواحد القهار”، وفي هذا الصدد عملت مديرية السجون وإعادة الإدماج على فتح أقسام تعليمية في جميع المؤسسات السجنية والإصلاحية تتوفر على الإمكانيات اللازمة من مقاعد وأدوات دراسية، ومقررات طبقا لمناهج التعليم المعمول بها خارج السجن من طرف وزارة التربية الوطنية وكذا التعليم العالي على جميع المستويات.
حيث يقوم بمهمة التدريس معلمين وأساتذة أو موظفين مؤهلين لهذه المهمة، لقد أصبح للتعليم داخل المؤسسات السجنية في الأنظمة العقابية دورا أساسيا لا يقل بحال من الأحوال عن دوره في المجتمع الحر، فهو وسيلة لمحو الأمية والجهل، وهما عاملان إجراميان دون شك، وبالتالي فهو وسيلة لاستئصال عوامل الجريمة وإزالة أسباب العودة إلى الإجرام في المستقبل.
كما أن التعليم يساهم في تأهيل المعتقلين بشكل كبير، فالمتعلم المفرج عنه يستطيع أن يحصل على فرصة للكسب الشريف، وهو كذلك وسيلة لتنمية الإمكانيات الذهنية والفكرية للنزيل مما يؤدي إلى تغيير أسلوب تفكيره، وطريقة حكمه على الأشياء مما يؤدي إلى الانتقال إلى فئة ذوي التفكير المتنكر للإجرام والسلوك المنحرف، .
وقد اعترفت غالبية التشريعات بأهمية تعليم المسجونين وجعله جزءا من خطتها العقابية الهادفة إلى التأهيل، وقد أكد على ذلك البند رقم (77) من قواعد الحد الأدنى لمعاملة المعتقلين بقوله تتخذ إجراءات لمواصلة تعليم جميع المعتقلين القادرين على الاستفادة منه بما في ذلك التعليم الديني بالبلدان التي يمكن فيها ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول الأوربية كالنرويج وفرنسا وإيطاليا، تستخدم التعليم الالكتروني لمساعدة المعتقلين للتغلب على بعض العقبات في عملية التعليم على اعتبار أن التعليم من شأنه الحد من النشاط الإجرامي، كما أن هناك برنامج آخر لا يقل أهمية هو برنامج محو الأمية، حيث أخذت كل المؤسسات السجنية والإصلاحية على عاتقها فرض مفهوم إجبارية محو الأمية أمام النزلاء نظرا للظروف المعيشة التي كانوا عليها، وحرمتهم كل وسائل فرص التعليم، ويتم تنسيق برامج محو الأمية مع وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني حيث يتم تسليم للمستفيدين في آخر مرحلة تعليمية، شهادات تثبت نجاحهم في اجتياز مرحلة الأمية.
الوعظ والإرشاد الديني:
تحظى العناية بالتوجيه الديني داخل المؤسسات السجنية بقبول ونصيب أوفر لآثار الدين في نفوس النزلاء من مزايا حميدة فطرية وعميقة نظرا لما يتضمنه الدين من قواعد أخلاقية وإنسانية، والحث على السلوك المستقيم.
حيث تلقن الدروس في الوعظ والإرشاد من طرف الفقهاء والعلماء المرشدين التابعين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما تستفيد النساء المعتقلات من دروس التربية الدينية التي يشرف عليها مربيات ومرشدات، والغاية هو بعث الروح الأمل والتربية الحسنة ورد الثقة في النفوس الجانحة والرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
ب_ التأهيل في مجال التكوين المهني:
يعتبر التكوين المهني من أساليب الإصلاح والإدماج، ويتمثل ذلك في تدريب النزيل على ممارسة إحدى المهن يستطيع بواسطتها استئناف حياته بعد خروجه من السجن ومن بين أهم هذه الأعمال التي تقوم بها المؤسسات السجنية لصالح المدانين المعتقلين، تلقيهم وتكوينهم في مجموعة من الاختصاصات كالنجارة – الزخرفة، الحدادة، الكهرباء، الترصيص، وكذا تعليم الطرز والزرابي وحياكة الصوف بالنسبة للمعتقلات من النساء، وبالنظر لأهمية التكوين المهني وعلى غرار باقي الدول فقد أولى المشرع المغربي أهمية كبيرة لهذا الموضع، وذلك من خلال المواد 137 إلى 139 من قانون المنظم السجون 10.23، ويسهر على تكوين المعتقلين في مختلف الحرف أساتذة تابعين لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، وأطر من وزارة الفلاحة ومندوبية الشؤون الاجتماعية والصناعة التقليدية أو من طرف موظفين مؤهلين لذلك، ويتم تسليم الشواهد المهنية للناجحين معترفا بها وموقعة من طرف مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل .
التأهيل المعنوي:
يهدف التأهيل المعنوي إلى جانب التأهيل المادي إلى إصلاح المعتقل لإعادة إدماجه داخل المجتمع، وذلك بتوفير مجموعة من البرامج خاصة المجال الاجتماعي كتوفير أخصائيين اجتماعيين يستمعون إلى مشاكل المعتقلين لمعالجتها والوقوف على مكامن الخلل في مجال التأطير والتأهيل، وهذه البرامج تهدف إلى الدعم النفسي للمعتقل نظرا لما يشكله فضاء السجن من تأثير على نفسيته، وخاصة إذا لم يكن من أصحاب السوابق، فما هي البرامج التي تسعى إلى تأهيل المعتقل نفسيا واجتماعيا؟
التأهيل النفسي:
تتجلى بعض مظاهر تأهيل المعتقل نفسيا في تطبيق المؤسسات السجنية لبعض برامج التنشيط الثقافي، وتسهيل الولوج إلى التثقيف الذاتي، من اجل رفع معنويات المعتقلين وإحياء الأبعاد الروحية، وكذا إمكانية ربط المعتقل للاتصال بالعالم الخارجي من اجل تقليص الفوارق التي يمكن أن تكون بين حياة المعتقل في السجن وبالحياة خارجه.
التنشيط الثقافي والرياضي:
تقدم المؤسسات السجنية في هذا المجال مجموعة من البرامج والتي تسعى إلى الترفيه عن نفسية المعتقل، ومحاولة تفادي ضغوط السجن وما يخلفه تواصله مع المجرمين داخل السجن من وقع على نفسيته، وتتجلى هذه البرامج في خلق عدد من الأوراش في الرسم والموسيقى والمسرح لفائدة المعتقلين، بتعاون مع بعض الفعاليات المهتمة ويتم تنظيم معارض وطنية حول منتوجاتهم الفنية تتيح إمكانية ملامسة مخزونهم الإبداعي والفني.
كما يمارس المعتقلين تمارين رياضية يومية أو يشاركون في بعض التظاهرات الوطنية في بعض الرياضة ككرة القدم وكرة السلة ، الى غيرها من الأنشطة الرياضية.
الرخص الاستثنائية للخروج:
يتم الترخيص للمعتقلين الذين قضوا نصف العقوبة والمتميزين بحسن السلوك، بمغادرة السجن لمدة لا تتعدى 10 أيام بمناسبة للأعياد الوطنية والدينية على أن تخصم من مدة العقوبة، كما يسمح لهم بزيارة الأقارب المرضى وحضور مراسيم الدفن، وقد استفاد من هذه الرخص عدد من المعتقلين خلال السنوات الخمس الأخيرة ولم يسجل أية حالة قرار حيث أن جميع المستفيدين رجعوا بتلقائية إلى المؤسسات السجنية بعد استيفاء الرخص.
تأهيل الأحداث:
تجدر الإشارة إلى انه بالنسبة لأحداث لم يغفل المشرع تخصيصهم بمؤسسات تراعي وضعيتهم، وهي المؤسسات الإصلاحية الهادفة بالأساس إلى إصلاح الحدث وإعادة تأهيله، كما أنها في حالة إيداعه بمؤسسة سجنية فقد خص المشرع الأحداث بأجندة خاصة بالأحداث بمعزل عن الرشداء حماية لهم.
وتولي المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أهمية بالغة للمعتقل عامة والأحداث خاصة وبكيفية إدماجهم ويتخذ هذا الاهتمام عدة أشكال من أبرزها:
الاعتناء بالوضعية الداخلية للمؤسسات السجنية، اعتبارا لكون هذه المؤسسات السجنية لإيواء المعتقل؛
توفير العدد الكافي من الأطر والموظفين خاصة المساعدين الاجتماعيين والذي يشكل تواجدهم عملية أساسية في نجاح عملية التأهيل لإعادة الإدماج.
التأهيل:
يرتبط تأهيل الحدث الجانح بالأطر المتوفرة بالمؤسسة فتأهيل الحدث يقتضي أن تكون الأطر الساهرة على الحدث مؤهلة وذات كفاءة ولهم تخصص في عدة ميادين لمساعدة الحدث على تخطي الصعوبات النفسية التي خلفتها في الجريمة في نفسيته، وعلى المستوى العملي فتأهيل الحدث لا يحقق النتيجة المطلوبة لاعتبار أن الأطر قليلة جدا مقارنة مع نزلاء المؤسسات السجنية، ثم كما أن هناك عدم تخصص الأطر بتخصصات علم النفس.
تأهيل أطر المؤسسات السجنية (تأهيل السجان أم تأهيل المعتقلين):
لابد أن يخضع موظفي المؤسسات السجنية بتكوين إداري يتعلم بموجبه مجموعة من المعارف والمهارات تخول له الاضطلاع بوظيفته وإنجاز المهام الموكولة له وخصوصا في مجال التأهيل المعتقلين.
وبعد الوقوف عند برامج التأهيل المسطرة في القانون أعلاه ومرسومه التطبيقي فماذا عن معوقات التأهيل وسبل المعالجة، هذا ما سنعالجه في الطلب الموالي.
المطلب الثاني: معوقات تأهيل المعتقلين وسبل المعالجة
سنعالج في هذا المطلب معوقات تأهيل المعتقلين في فقرة أولى على أن نعالج سبل المعالجة في فقرة ثانية.
الفقرة الأولى: معوقات تأهيل المعتقلين
ثمة معوقات مادية وأخرى قانونية تحول دون تأهيل أمثل لنزلاء المؤسسات السجنية، وعليه سنقف عند المعوقات المادية (ثانيا) وقبل ذلك سنقف عند المعوقات القانونية (أولا).
أولا: المعوقات القانونية لإعادة تأهيل المعتقلين
على الرغم من التطور الذي عرفته العقوبة في وظائفها والأهداف المتوخاة منها والتي تسعى إلى إعادة التأهيل، وإصلاح السلوك غير السوي من خلال مختلف البرامج المعدة لهذا الغرض، فإن العديد من العراقيل لا زالت تعترض عملية إعادة التأهيل، فإلى جانب المعوقات المادية والواقعية نجد التشريع نفسه يساهم في هذه العرقلة بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويعتبر السجل العدلي في مقدمتها، حيث تسجل فيه جميع الأحكام الصادرة في حق المتهم سواء كانت أحكام بعقوبة سالبة للحرية أو موقوفة التنفيذ وذلك لضبط السوابق الجنائية لهذه الفئة والتي تأخذها السلطة القضائية بعين الاعتبار لمعاملتهم فيما بعد إذا وصلوا إلى يد العدالة مجددا.
وابتدع المشرع نظام السجل العدلي من أجل القيام بوظيفة دقيقة ومحددة الأهداف والمرامي، فالسجل العدلي يعتبر من جهة أداة أساسية وفعالة بالنسبة للسلطة القضائية التي تلجأ إليه في كل مراحل الدعوى الجنائية، ومن جهة ثانية هو أداة في خدمة كل المصالح العمومية للدولة والمقاولات، وحتى بالنسبة للأفراد على اختلاف فئاتهم، لهذا حرص المشرع على تنظيم مؤسسة السجل العدلي بطريقة تتلاءم والوظيفة التي أرادها له، وقد حرص في كل ذلك على أن تكون له مهمة واضحة المعالم والمقاصد عن طريق الأحكام التي خص بها مختلف البطائق التي يتكون منها وطرق تحريرها وترتيبها ومسكها والإطلاع عليها.
ولكن مؤسسة السجل العدلي وعلى الرغم من تلك الأحكام التي تحدد إطارها القانوني، فإنها جاءت مشوبة بالعديد من النقائص والعيوب التي جعلتها غير قادرة على القيام بمهامها بالصورة المرجوة منها بالإضافة إلى التدهور والتخلف الذي بدأت تعاني منه بسبب قصورها في الاستجابة لكل الأدوار المنتظرة منها، وكذلك الدور الاقصائي الذي تمارسه من خلال الحرمان من بعض الحقوق الأساسية.
وأمام الانتقادات التي وجهت إلى السجل العدلي باعتباره أداة لإفشاء السوابق الجنائية للأفراد، حاولت معظم التشريعات التقليل من حدة هذه الانتقادات من خلال الاعتراف للمحكوم عليه فقط بحق الإطلاع على سوابقه الجنائية والحصول على نسخ من سجله العدلي دون غيره، لكن هذا الإجراء لم يحقق الهدف المتوخى منه.
وتعطى الإمكانية للأفراد للحصول على نسخة من البطاقة رقم 3 من سجله العدلي ليستعملها كوثيقة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، هذه البطاقة تتضمن بيانات بالأحكام الصادرة بعقوبات سالبة للحرية عن إحدى محاكم المملكة من أجل جناية أو جنحة، خاصة وأن الشخص لا يدلي بنسخة من سجله بمحض اختياره وإنما يكون مضطرا لذلك، فهذه البطاقة نسخة النص الكامل للبطائق رقم 1 والتي تقوم بوظيفة العلانية السلبية، ما دامت تفضح أمره لدى جميع الدوائر الرسمية، وبطريقة لا تترك أية فرصة للتأكد من محتواها أو ما إذا كانت هناك أخطاء في مضمونها قد تؤثر على مصالحه دون أن يعلم بذلك.
فالحاجة ملحة لتجاوز هذه الثغرة القانونية التي تشكل عائقا أمام إعادة التأهيل، وهو ما نلامسه من خلال كثرة الانتقادات الموجهة إلى السجل العدلي أمام التغييرات التي لحقت أغلب المؤسسات التي تنتمي إلى النظام الجنائي بصفة عامة تحت تأثير تيارات حقوق الإنسان، وما نتج عنها من إعلانات دولية وجهوية أثرت بشكل كبير على السياسة الجنائية التي تنهجها العديد من الدول التي جعلت السجل العدلي يطرح كثيرا من العراقيل الخطيرة.
إن السجل العدلي يساهم في عملية تهميش المحكوم عليه ليتحول بذلك إلى أداة فعالة لمطاردته والتربص به الشيء الذي يجعله أداة لعرقلة جهود ومساعي إعادة التأهيل عن طريق إفشاء السوابق الجنائية، ويعتبر الوصم الذي يتعرض له الشخص من أبرز مظاهر التهميش وتتحقق عملية الوصم عند ما يرتكب الشخص جريمة ما فيتخذ موقف ضده من طرف مكونات المجتمع كالوسط العائلي أو الوسط المهني أو الشرطة أو السلطة القضائية كل حسب آلية محددة.
فإذا كان السجل العدلي لا يمثل أدنى خطورة ولا أية صعوبة نحو إعادة التأهيل بالنسبة لفئة معينة من المحكوم عليهم الشرسين الذين لا يرجى صلاح حالتهم، فإنه لا يجب الاعتقاد بأن نفس الحالة تنطبق على غيرهم من المحكوم عليهم خاصة فئة المجرمين المبتدئين أو فئة الأحداث الذين يكونون أوفر حظا للاستفادة من برامج إعادة التأهيل وأكثر استعدادا للاندماج الاجتماعي، لأن جنوحهم يكون نتيجة ظروف طارئة وخارجة عن إرادتهم، لكن الإمكانية المخولة بتسجيل الأحكام الصادرة في حقهم بالعقوبة السالبة للحرية من شأنها أن تعرقل مختلف الجهود التي بذلتها المؤسسات المعتقلة لإعادة التأهيل، خاصة أمام محدودية أو بالأحرى انعدام الرعاية اللاحقة في التشريع المغربي التي تعتبر آلية لتكملة برامج إعادة التأهيل بعد الخروج من المؤسسة.
وهذا يعتبر نتيجة طبيعية لتزايد الاهتمام بحق جديد يعتبر من صميم حقوق الإنسان، وهو الحق في النسيان وذلك خدمة للمحكوم عليه الراغب في استعادة مكانته الاجتماعية عما كانت قبل تورطه في الإجرام.
ثانيا: المعوقات المادية لإعادة التأهيل
إن عملية إعادة التأهيل والإصلاح تتطلب إمكانيات ومهارات خاصة وعناصر فنية مدربة ومؤهلة، وهو ما لا تتوفر عليه العديد من المؤسسات لأنها لا تمثل بالنسبة لها متطلبات ضرورية فهي تعد في عداد المفقود حاليا، ومن الأسباب التي تجعل مؤسساتنا بمختلف أشكالها غير قادرة على أداء وظيفتها حتى ولو توفرت لدى المشرفين عليها قناعات في هذا الشأ، هو إمكانياتها الحالية من مرافق ومبان ومعدات، إذ تعجز عن تطبيق فكرة تصنيف المعتقلين والتي تعتبر من أساسيات قانون تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، هذا بالإضافة إلى العجز الظاهر في العناصر ذوي الكفاءات والمتخصصين في علوم الاجتماع، والطب النفسي والخدمة الاجتماعية، الذين بإمكانهم تأهيل المعتقلين، ومن هذا المنطلق سنتناول العراقيل المادية والبشرية التي تحول دون قيام المؤسسة السجنية بوظائفها.
1 – قلة الإمكانيات المادية والبشرية
إن المؤسسة السجنية لم تستطع القيام بمهمتها الأساسية التي وجدت من أجلها آلا وهي العمل على الحد والوقاية من الجريمة وتحقيق الاندماج الاجتماعي للنزلاء، فبرزت أفكار جديدة أكثر واقعية من تلك الأفكار المتفائلة السائدة في بداية الخمسينات والستينات، والتي كانت ترى في النظام الجديد للمؤسسات السجنية آنذاك على أنه الحل الأمثل، والذي كان يهدف أساسا إلى الإصلاح والتدريب على الوقاية، والحد من الجريمة وإدماج الأفراد الخارجين من المؤسسات الإصلاحية في المجتمع.
لقد أصبحت النظرة الحالية للسجون تنطلق من قناعة أساسية مفادها أن السجون لم تعد ذات فاعلية في تقويم المنحرفين، بل إن البعض أصبح يطلق على السجون أنها أماكن لتفريخ السلوك الخارج عن القانون بدلا من أن تكون مؤسسات اجتماعية لإعادة التأهيل، وهناك نظريات أكثر سوداوية للسجون ترى أنها نوع من الشر لأنها أصبحت أماكن لتعليم الشر لكل من يدخلها إذ يلتقي النزيل مع مجرمين سابقين يلقنونه دروسا جديدة في الإجرام ويعلمونه أحدث أساليب ووسائل الجريمة ومن ثم يتخرج من السجن وهو يفكر في ارتكاب الجريمة الثانية مع ترسب الكراهية والعداوة للمجتمع.
ونتيجة لذلك يرى بعض الباحثين أن السجن كعقوبة لم يؤت ثماره وأنه مهما قدم من برامج وأنشطة فإن تأثيره على النزلاء يبقى قليلا ومحدودا وغير مجدي في إصلاحهم وإعادتهم أسوياء للمجتمع، لأن وظيفة السجن لا تعدو أن تكون وسيلة للترهيب، في حين تراهن طائفة أخرى على مواكبة المؤسسات السجنية لصيرورة التطور الذي تشهده المجتمعات.
إن المؤسسة السجنية تواجه العديد من العقبات المادية تحول دون تحقيق العقوبة السالبة للحرية لهدف التأهيل سواء بالنسبة لإنشاء مباني السجن على أسس حديثة تتناسب مع الدور الإصلاحي أو إيجاد الإدارة العقابية السليمة التي تعتمد على الفنيين والأخصائيين المزودين بالتقنيات اللازمة لإجراء عمليات الفحص والتصنيف والمتابعة، أو بالنسبة لرعاية النزلاء صحيا واجتماعيا ونفسيا وتعليميا، فهذه كلها بلا شك عقبات قائمة الآن في معظم دول العالم في وجه إمكانية تحقيق العقوبة لهدف التأهيل ولا تملك السيطرة عليها وتذليلها بقدر الإمكان إلا قلة من الدول الغنية التي تتيح إمكانياتها المادية والبشرية والحضارية أن تتغلب على هذه العقبات.
هذا في الوقت الذي تقف معظم الدول النامية عاجزة أمام هذه العقبات لا تستطيع السيطرة عليها ولا تذليلها، لأن إنشاء المؤسسات السجنية، بمختلف أنواعها وخاصة المخصصة للأحداث، وإدارتها وحراستها يكلف الدولة أموالا طائلة، هذا إذا كانت لتقييد حرية المحكوم عليه ومنع هروبهم فقط أما إذا أريد إضافة الإصلاح والتأهيل بإعادة الاندماج الاجتماعي كمواطنين صالحين فإن ذلك يكلف الدولة أموالا قد تعجز عنها الكثير من الدول أمام تزايد المودعين بالمؤسسات السجنية.
وهو ما يدفعنا إلى القول بأن هذه الأخيرة بأوضاعها الحالية إذا استطاعت أن تحتفظ للمجرم المودع لديها بمستواه الصحي والنفسي والخلقي والاجتماعي عند المستوى الذي دخله دون أن تفسد حياة السجن كل عناصر الاستقامة التي من الممكن الاحتفاظ بها رغم السلوك الجانح، فإنها تكون قد أدت مهمة تفوق بكثير كل الإمكانيات المتاحة لها.
ومن بين المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها للقول بأن السجن فشل في أداء دوره الإصلاحي، أساليب المعاملة العقابية، والعمليات التي تستهدف تأهيل النزيل، والتأثير على سلوكه كالتهذيب الديني والأخلاقي والتعليم والتدريب… وغيرها لا تؤدي دورها في إصلاح وتأهيل النزيل وتعديل سلوكه، بل إنها على العكس من ذلك بسبب انضباطها لخلفية أمنية قوامها القمع والممارسات المشينة فإنها تصبح أداة لتكريس الانحراف، وبالطبع فالعوامل التي تقف وراء هذا التحول الوظيفي تظل كثيرة ومتنوعة وصعبة الحصر بدقة متناهية، فهناك من جهة ضعف الكفاءة الإدارية وعدم إلمام الإدارة والعاملين بالسجون بدورهم في تأهيل المعتقلين.
إن المؤسسة السجنية تشتمل على أطراف عدة شأن سائر المؤسسات الاجتماعية الأخرى، وتسود هذه الأطراف علاقات وتفاعلات فيما بينها وغالبا ما تكون نتائج هذه العلاقات متعارضة وضد الهدف الأساسي الذي يريده المجتمع من إقامة النزلاء في المؤسسات الإصلاحية.
ونتيجة لهذا الوضع يطرأ بالضرورة تدهور، أو تعطيل، للبرامج التأهيلية والإصلاحية المعدة للنزلاء، لأن البعض منهم والتي تأصلت فيه النوازع الإجرامية يستغلون هذا الوضع لفرض سيطرتهم على النزلاء الآخرين، ويمارسون ضغوطا عليهم لكي يشاركوهم ثقافتهم ويفرضون إرادتهم على المذنبين المبتدئين، وهكذا يتبدد الاقتناع لديهم بضرورة الإصلاح والتأهيل والتهذيب، نظرا إلى اختلاف وتضارب المصالح –عن فهم أو سوء فهم- بين هذه الفئات، وهو ما يؤدي إلى فقدان السجن لوظيفته الإصلاحية التأهيلية، وهذا ما سيفضي بالنزلاء إلى بناء علاقات فيما بينهم تسودها نشاطات هامشية منحرفة.
إن مختلف المؤسسات السجنية تشكو من عوائق عديدة تحول دون القيام بمهامها على أحسن ما يرام في مجال إعادة التربية والتهذيب وضمان سير عادي لدراستهم أو عملهم المهني، ومن أبرزها إلى جانب ما قيل سلفا هزالة الاعتمادات المالية المرصودة من قبل الجهات المعنية، فالميزانية المخصصة غير كافية بكل المقاييس وهو ما يفسر أن الدولة تصرف على المعتقل الواحد أربعة دراهم في اليوم فقط ، وهو ما ينعكس على المستوى الصحي والغذائي لنزلاء المؤسسات السجنية إذ ينحدر معظمهم من أسر فقيرة ومعدمة وذات مستويات تعليم محدودة فالوضع السوسيو اقتصادي للأحداث يتعين تخطيه داخل المؤسسة وليس تكريسه.
لكن قراءة واقع المؤسسات السجنية لن تكتمل لدينا دون أن نسلط الضوء على أهم ظاهرة تعيشها مختلف المؤسسات وهي الاكتظاظ، التي تزيد غياب مؤسسات خاصة بالأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة من استفحالها وعدم فعالية مبدأ التصنيف.
2 – تفشي ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسة السجنية
يعد الاكتظاظ من أكبر مشاكل مؤسسة السجون بالمغرب وهو المسؤول إلى حد كبير عن تنامي وتفشي العديد من الظواهر والسلوكات الإنحرافية داخل هذه المؤسسات الإصلاحية.
ومن الآثار السلبية الناجمة عن التكدس في المؤسسات السجنية فشل عملية التصنيف حيث تتطلب هذه الأخيرة توفير إمكانيات منها مكان فسيح لإقامة النزلاء في مجموعات متجانسة اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا ومنفصلة عن المجموعات الأخرى وتحدد لكل مجموعة برامج تأهيلية تناسب ظروفها.
إن اكتظاظ السجون يؤدي إلى زيادة معاناة النزيل نتيجة إقامته في غرفة أو زنزانة بها أعداد أكثر من طاقتها الاستيعابية، وتزداد المعاناة أكثر لدى من يعاني من مشاكل نفسية نتيجة لدخوله السجن مثل الاكتئاب النفسي والإنطواء الاجتماعي والعزلة، ومن الممكن أن ينجم عن هذا الوضع بصفة عامة أو داخل العنابر بشكل خاص إشكاليات كثيرة مثل الشغب والعنف تزيد من تأجج وتفاقم المشاكل الأمنية، والصحية أمام انتشار الأمراض لصعوبة عزل النزلاء المصابين عن الأصحاء لضيق المكان من جانب، ومن جانب آخر للقصور في الخدمات الصحية لأن الضغط عليها لا يساعد على اكتشاف النزلاء المصابين في الوقت المناسب .
إذن في ظل هذه الأوضاع الموسومة بالاكتظاظ والعنف وسوء التغذية وضعف الرعاية الصحية، لابد أن تتنامى العديد من الظواهر، والسلوكات الإنحرافية، من أبرزها ظاهرة الشذوذ الجنسي التي تعد من أكثر الظواهر انتشارا وشيوعا في الفضاء السجني، وتعتبر فئة الأحداث وذوي البنيات الضعيفة الشريحة الأكثر عرضة للانتهاكات الجنسية خصوصا مع اختلاط المعتقلين على مستوى الفئات العمرية، إذ نلامس فرقا كبيرا بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وقد كشفت العديد من التقارير الصادرة عن بعض الهيئات غير الحكومية المعنية بنزلاء المؤسسات السجنية، الوضع الكارثي الذي تعرفه هذه المؤسسات إذ ترزح تحت ظاهرة الرشوة، حتى غدت إحدى الثوابت فيها، وبالتالي أصبحت تقوض أسس كل مشروع لإصلاح هذه المؤسسات بالإضافة إلى الابتزاز والمحسوبية التي تفرز مظاهر التفاوت بين النزلاء، وهي ظواهر طبيعية أمام الاكتظاظ الذي تعرفه.
إن الوضع الذي تعيشه المؤسسة السجنية من أوضاع مادية وبشرية بالإضافة إلى العبء الذي تتحمله نتيجة الاختلالات التي يعرفها جهاز العدالة كانت له آثار سلبية يعتبر إعادة إنتاج الإجرام وارتفاع معدل الجريمة أبرز تجلياتها.
وبعد أن وقفنا عند المعوقات القانونية والمادية التي تحول دون تأهيل المعتقلين وإعادة إدماجهم فإننا سنقف في النقطة الموالية عند سبل المعالجة التي يمكن معها تجاوز هذه المعوقات.
الفقرة الثانية: سبل معالجة معيقات التأهيل
إن تأهيل المعتقل يتطلب العمل ضمن مقاربة إدارية وقانونية وحقوقية يصبح معها السجن فضاء ومرفقا اجتماعيا يلعب دوره الحقيقي وليس السطحي، وهو الدور الذي يتوخى بعث الثقة في نفس المعتقل وجعل المؤسسة السجنية مدرسة للقطيعة مع الجريمة وإنتاج حالات العود، مدرسة بعيدة عن كل مظاهر الممارسة الأمنية والزجرية.
ويتطلب بالضرورة تعاون وحوار دائم وشفاف، ومن هنا اعتبرت ضرورة إتباع الدولة سياسة الشراكة الواسعة المبنية على الثقة لتدبير المؤسسات السجنية ما بين الإدارة الوصية والمنظمات الحقوقية والهيئات المنتخبة، وتفعيل حقيقي للقانون الوطني والقواعد النموذجية في هذا الصدد، والوقوف ضد المتدرعين بالهاجس الأمني أو المناهضين لنشر ثقافة حقوق الإنسان، لتكون معيارا موضوعيا وحقيقيا للتغلب على معضلات السجون الراسخة في التاريخ، ولترسيخ حكامة إدارية إنسانية بداخلها. ليس هناك شك أن قانون 10.23، قد حقق تفوقا على مستوى المرجعيات والمضامين والبنية التنظيمية، على نصوص قديمة ومنها القانون 98.23 المنسوخ وقانون سنة 1930 ثم سنة 1942، التي شكلت سنوات سوداء في حياة قطاع السجون في عهد الإستعمار، وسنوات الإستقلال إلى آخر القرن الماضي.
وليس هناك شك أن النظام الجديد للسجون قد صحح و أجاب من الناحية الإجمالية والأدبية عن ملاحظات وانتقادات واحتجاجات منظمات المجتمع المدني، وعن تقارير منظمات دولية، وعن انتقادات الحقوقيين، وتبقى الآليات التشريعية والإصلاح المؤسساتي إلى جانب إشراك فعاليات المجتمع المدني محاور أساسية للتأهيل.
أولا: تفريد الجزاء الجنائي
إن التفريد التنفيذي بمختلف صوره وتنوعه ووسائله، أصبح ضرورة لا غنى لأي نظام عقابي عنها، لاسيما في ظل فلسفة العقاب الحديث التي بدأت تميل بالعقاب باتجاه وظيفتي الإصلاح والتأهيل، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بأعمال الملائمة بين ظروف الجاني وجريمته من جهة، وبين الجزاء الجنائي من جهة أخرى، فما هي أساليب وأنظمة التفريد التنفيذي؟
أ- أساليب التفريد التنفيذي للعقوبات السالبة للحرية
الفحص أو التشخيص:
هو نوع من الدراسة الفنية التي يقوم بها أخصائيون من مجالات مختلفة لإجراء الدراسة على المحكوم عليه لتحديد شخصيته، وبيان العوامل الإجرامية التي تدفعه إلى ارتكاب الجريمة، حتى يمكن تأهيله، ويعتبر الفحص خطوة تمهيدية لتصنيف المحكوم عليهم، ولذلك وجب أن يحدد الفحص درجة خطورة المحكوم عليه في المجتمع، ثم مدى استعداده للتجاوب مع الأساليب العقابية المختلفة وجوهره عمل فني يفترض تضافر جهود فريق من المختصين في علوم الطب وعلم النفس والاجتماع، وهو ما يفترض بعد ذلك تأهيل النتائج التي أثمرتها أعمالهم وإعدادها في صورة صالحة لتكون أساسا للتصنيف وللفحص أنواع.
ثم الفحص السابق للحكم وهو ما يسمى بالفحص القانوني الذي يهدف أساسا إلى تحديد نوع ومقدار التدابير الجنائية اللازمة للمتهم، والفحص اللاحق على صدور الحكم بالجزاء الجنائي وهو الذي يمهد السبيل إلى تصنيف المحكوم عليه، لتقرير المعاملة العقابية الملائمة لكل طائفة ، حتى يحقق الجزاء غرضه التأهيلي، والفحص التجريبي هو الذي يجري بعد دخول المحكوم عليه المؤسسات العقابية، ويقوم به القائمون على المؤسسة ومدى تجاوبه معهم، والعلاقة بينه وبين زملائه ويظهر ذلك في تحديد طريق معاملته.
ويجب أن ينصب البحث على الجوانب المختلفة لشخصية المحكوم عليه وبصفة خاصة يكون موضوعا للفحص هو الجانب العضوي البيولوجي والجانب العقلي والجانب النفسي، ويمتد كذلك إلى دراسة حياة المحكوم عليه الاجتماعية، وهذا ما جاء في المؤتمر الدولي العربي للدفاع الاجتماعي سنة 1973 في المادة 6 أن يكون أساس التنفيذ العقابي الفحص الدقيق الشامل لشخصية المحكوم عليه من الجوانب البيولوجية والعقلية والنفسية والاجتماعية.
التصنيف
التصنيف العلمي للمحكوم عليهم يختلف طبقا للمدلول الأمريكي والأوربي.
المدلول الأمريكي:
إن التصنيف في المعنى العقابي هو المقام الأول أسلوب يحقق التنسيق بين التشخيص والتوجيه والمعاملة في كل حالة على حدى في صورة فعالة، وهو يكاد يشمل كل نظم التنفيذ العقابي.
المدلول الأوربي:
يقسم هذا المدلول المحكوم عليهم إلى فئات مختلفة في المؤسسات المتخصصة بالاستناد إلى السن، الجنس ، الخطورة الإجرامية …وغيرها.
وبعدها يتم تقسيمهم إلى مجموعات مختلفة داخل كل مؤسسة، وقد ذهب رأي من الفقه العقابي إلى تعريف التصنيف بأنه “وضع المحكوم عليه في المؤسسة العقابية الملائمة لمقتضيات تأهيله، وإخضاعه في داخلها للمعاملة مع هذه المقتضيات”، بينما عرفه المؤتمر الجنائي الدولي الثاني عشر الذي انعقد في لاهاي سنة 1950 بأن ” التصنيف عبارة عن عملية تقسيم المحكوم عليهم إلى فئات معينة وفقا للسن، الجنس، العود، والحالة العقلية والاجتماعية وتوزيعهم وفقا لذلك على مختلف المؤسسات العقابية حيث تتم تقسيمات أخرى فرعية”.
وهناك نظم للتصنيف يمكن حصرها في ثلاثة أنظمة وذلك على النحو التالي:
نظام مكاتب التصنيف:
يوجد في كل مؤسسة عقابية جهاز ملحق بها، يضم عددا من المختصين بإجراء الفحوص المختلفة ، يقومون بفحص المحكوم عليهم الذين يرسلون إلى المؤسسة وفقا لأسس محددة قانونا ، ثم يقومون معا بعملية التصنيف لكل محكوم عليه، وفقا للنتائج التي أسفر عنها فحص الشخصية – برامج المعاملة الملائمة لحالته-.
وهناك النظام التكاملي الذي يقوم على أساس الجمع بين الأخصائيين والفنيين والإداريين في هيئة أو مجلس ملحق بالمؤسسة العقابية، فبينما يعكف الأخصائيون على تشخيص حالات المحكوم عليهم، يقوم الإداريون بوضع برامج المعاملة العقابية لكل حالة على نحو يتلاءم مع إمكانية المؤسسة المادية والفعلية.
نظام مركز الاستقبال:
يفترض هذا النظام وجود جهاز مركزي يمتد اختصاصه إلى كل أقاليم الدولة ، حيث تجري دراسة كاملة لكل محكوم عليه على حدا ، وفي ضوء ذلك يتم توجيهه إلى المؤسسة العقابية الملائمة لحالته مع بيان أسلوب المعاملة العقابية الذي ينبغي اتباعه في مواجهته، وهذا النظام يحقق أهداف المعاملة العقابية في معانيها و وذلك انه يستقبل جميع المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية ثم يتولى فحصهم وتوزيعهم على المؤسسات وفق معايير موحدة يضعها المركز، مما يحقق قدرا كبيرا من المساواة بينهم.
وقد أخد المشرع المغربي في تصنيف المعتقلين بهذه المعايير والتي تتماشى والمعايير الدولية فقد نص المشرع المغربي في القانون 10.23 على أنه تختلف المعايير المعتمدة في تصنيف وتوزيع المعتقلين بين أصناف المؤسسات السجنية المختلفة ، وداخل كل صنف على حدى، وقد اعتمد في معايير التمييز على معيار نوع الجريمة، وينقسم المعتقلين وفقه إلى مجرمون عائدون، مجرمون محترفون أو مبتدئون، مجرمي القتل والاغتصاب، مرتكبي النصب والاحتيال والسرقة وترويج المخدرات، ومعتقلي ضد امن الدولة….الخ.
أنظمة التفريد
الإفراج الشرطي:
الإفراج الشرطي هو وسيلة استعملتها النظم العقابية للحد من الإبقاء على المحكوم عليهم مدة في السجن لفترات طويلة قد تعيق عملية التأهيل، والتي هي الهدف من إدخال المعتقل إلى المؤسسات السجنية، وبمقتضى هذا النظام يتم إخلاء سبيل المحكوم عليه قبل انتهاء المدة المحكوم بها متى تبين أن سلوكه تحسن وأنه أصبح مؤهلا للاندماج في المجتمع.
وقد عرفه البعض بأنه إطلاق صراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاء كل مدة عقوبته إطلاقا مقيدا بشروط تتمثل في التزامات تفرض عليه وتقيد من حريته، وتتمثل كذلك في تعليق للحرية على الوفاء بهذه الالتزامات.
ويرجع الأصل في ابتداع مؤسسة الإفراج الشرطي أو المقيد بشروط إلى الفرنسي بونفاي دو مرسنجاي ( BOUNNEVILLE DE MARSANGY) الذي كان قاضيا.
وقد صدر أول قانون منظم للإفراج الشرطي في فرنسا في 14 غشت 1885، أما في المغرب فقد أدخلت هذه المؤسسة بمقتضى ظهير فاتح يوليوز 1932 قبل أن تصبح منظمة في مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية.
وقد اختلفت الآراء في تكييف الإفراج الشرطي، ففي الوقت الذي اعتبره البعض عملا قضائيا لأنه ينطوي على مساس بالقوة التنفيذية للحكم ويدخل تعديلا عليه من حيث تحديد مدة معينة للعقوبة، ذهب البعض الآخر – وهو الطرح الذي نتماشى معه – إلى اعتباره عملا إداريا، لأنه في حقيقته تعديل للمعاملة العقابية كي تتلاءم مع التطور الذي طرأ على شخصية المحكوم عليه.
ولا يعتبر الإفراج الشرطي إنهاء لتنفيذ العقوبة ولا وقفا لتنفيذها أو سبب لانقضائها، وإنما هو تعديل لأسلوب تنفيذها ، وبالتالي فالعقوبة لا تنقضي إلا بانتهاء المدة المحددة لها في الحكم، كما أنه يمكن إلغاء الإفراج الشرطي في أية لحظة إذا أخل المحكوم عليه بشروط الإفراج. كما أنه ليس من حق المحكوم عليه أن يطالب به ، ذلك أنه يعتبر مكافأة من الإدارة للمحكوم عليه على حسن سلوكه وإعداده للحياة الحرة بالمجتمع.
ولاستفادة المحكوم عليه من نظام الإفراج المقيد بشروط يتعين توفر شروط تتمتل في:
أن تظهر على سلوك المحكوم عليه علامات توحي بأن سلوكه قد استقام، وهو ما نصت عليه المادة 622 من ق.م.ج كما يلي” … الذين برهنوا بما فيه الكفاية على تحسن سلوكهم”؛
ألا يكون الإفراج على المحكوم عليه فيه خطر على النظام العام؛
أن يقضي المحكوم عليه مدة معينة من العقوبة السالبة للحرية داخل السجن،أن يوفي المحكوم عليه بالتزاماته المالية.
وبعد توفر الشروط المذكورة أعلاه يتعين سلوك مسطرة معينة تبتدأ بإعداد لائحة اقتراحات الإفراج المقيد بشروط، إما تلقائيا أو بناء على طلب المعني بالأمر أو عائلته أو بناء على تعليمات وزير العدل أو مدير مؤسسة السجون أو بمبادرة من قاضي تطبيق العقوبة، ويتعين دراسة وضعية كل معتقل يمكن أن يقترح للاستفادة من الإفراج المقيد بشروط، ويوجه رئيس المؤسسة السجنية هذه الاقتراحات بعد تضمينها رأيه المعلل إلى مدير مؤسسة السجون وإعادة الإدماج الذي يتممها ويعرضها على لجنة الإفراج المقيد بشروط. ويمنح قرار الإفراج المقيد بشروط من طرف وزير العدل بناء على رأي اللجنة المذكورة.
العفو:
هو ذلك العفو الذي يمنحه رئيس الدولة أو الملك لشخص معين بذاته، وبذلك يتميز عن العفو الشامل الذي يستفيذ منه نوع معين من المحكوم عليهم أو المقترفين لصنف معين من الجرائم.
ويعرف العفو كذلك بأنه إنهاء الالتزام بتنفيذ العقوبة كليا أو جزئيا لمصلحة شخص حكم عليه نهائيا بتنفيذها. وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 53 من مجموعة القانون الجنائي على أن: ” العفو حق من حقوق الملك، ويباشر وفق الترتيبات التي تضمنها ظهير 6 فبراير 1958 بخصوص العفو”.
والعفو الخاص باعتباره سببا من أسباب انقضاء العقوبة أو إنقاصها أو إبدالها، فقد أخدت به جل التشريعات، فهو إذن مؤسسة لا غنى عنها وذو أهمية كبيرة لأنه يحقق مزايا متعددة منه أنه وسيلة فعالة لتجاوز أخطاء القضاء بعد أن تكون قد سدت أمام المحكوم عليه جميع طرق الطعن.
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أنه يجب على المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية أن يسلك سلوكا حسنا حتى يستفيد من مؤسسة العفو.
التخفيف التلقائي للعقوبة:
يعتبر التخفيف التلقائي للعقوبة من أهم المستجدات التي تتضمنها مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية خص له المشرع الباب الرابع مكرر المواد من (632-1⇐ 631-7) وهو نظام يتيح إمكانية استفادة المحكوم عليه من أبان عن حسن سلوكه من تخفيض تلقائي للعقوبة السالبة للحرية، ولا يستفيد من هذا التخفيض التلقائي من اتخذ في حقه قرار تأديبي وفقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالسجون، وينفذ قرار التخفيض من طرف لجنة تتكون من مدير السجن ورئيس المعقل والمشرف الاجتماعي ورئيس مكتب الضبط القضائي وطبيب المؤسسة.
ويمكن لكل معتقل طبقا لمقتضيات المادة 631-3 من ق.م.ج لم يستفد من التخفيف التلقائي رفع تظلمه إلى لجنة مراقبة تطبيق التخفيف التلقائي للعقوبة المنصوص عليه في المادة 632-4.
وقد اشترط المشرع حتى يستفي المحكوم عليه من التخفيف التلقائي للعقوبة أن يتعلق الأمر بمحكوم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به، وأن يكون المحكوم عليه قد قضى على الأقل ربع العقوبة السالبة للحرية المحكوم عليه بها، وأن يبرهن المعتقلين عن حسن سلوكهم.
الخاتمة:
وفي الأخير يمكن القول بأن المؤسسات السجنية لم تعد مجرد فضاءات للاعتقال والحرمان من الحرية بل أصبحت مجالا لإعادة تربية المعتقلين، وإصلاحهم وتوفير كل الظروف المناسبة لتقويم سلوكهم وإعادة إدماجهم في المجتمع من جديد، وهو تصور ينسجم ورؤية جلالة الملك محمد السادس نصره التي بسطها في خطابه السامي سنة 2003، بمناسبة افتتاح السنة القضائية، والذي أكد فيه جلالته على أن ” ما نوليه من رعاية شاملة للبعد الاجتماعي في مجال العدالة لا يستكمل إلا بما نوفره من الكرامة الإنسانية للمواطنين المعتقلين التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية”.
حيث تشكل برامج التأهيل وإعادة إدماج المعتقلين غاية المنظومة القانونية لتدبير المؤسسات السجنية ، ونقترح في هذا الإطار بالعمل على جعل المؤسسات السجنية بمثابة مؤسسات تربوية حقيقية عبر وضع برامج مسايرة لضمان إنتاجية أكبر، وبمناهج متعددة وخلق وحدات للتكوين المهني وتشجيع التكوين في مجال الصناعة لجعل السجون وحدات صناعية منتجة، لتساهم في حصول بلادنا على تقديرات مهمة على مستوى التقارير الدولية وعلى تصنيف مشرف مع العمل على النهوض بأدوار مؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج.
وقد أبانت هذه البرامج التي لها أهمية كبيرة عن تراجع نسبة العَوْد بالنسبة للمستفيدين منها، وهو الأمر المسجل على مستوى المعتقلين الذين استفادوا من برنامج “مصالحة”، وهو البرنامج الذي يرتكز على: المصالحة مع الذات؛ المصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني، حيث يعتبر من بين البرامج الرائدة على المستوى العالمي، والذي يستهدف البنيات الفكرية والتصورية للمعتقلين المدانين في قضايا الإرهاب والتطرف لمراجعة أفكارهم.