تيزنيت : المقاهي الأدبية الثقافية .. فضاء أسرير نموذجاً يعيد الاعتبار لدور الثقافة في الحياة اليومية.

متابعة : عابد أموسى
تعيش مدينة تيزنيت منذ سنوات دينامية ثقافية لافتة، كان من بين أبرز تجلياتها بروز مبادرات شبابية حولت بعض الفضاءات الخاصة إلى منصات للنقاش والإبداع، وفي مقدمتها تجربة فضاء أسرير الذي أصبح نموذجاً للمقهى الأدبي-الثقافي بالمدينة. تجربة فريدة أكدت أن الثقافة ليست حكراً على المؤسسات الرسمية، بل يمكن أن تُمارس داخل فضاء يومي بسيط يتحوّل إلى منبر للحوار والتفكير والإبداع.
فضاء أسرير… تجربة ولدت من إرادة شبابية
نشأ فضاء أسرير سنة 2007 على يد مجموعة من شباب المدينة، بهدف خلق مكان يجمع بين الطابع الاجتماعي للمقهى والدور التنويري للمؤسسات الثقافية. ورغم الصعوبات والإكراهات، استطاع القائمون عليه تحويله إلى مركز إشعاع ثقافي، يستقطب مثقفين وفاعلين وشباباً يبحثون عن متنفس فكري داخل المدينة.
وخلال السنوات الأخيرة، احتضن الفضاء عدداً من الندوات الفكرية واللقاءات الأدبية، وورشات الشباب، وجلسات توقيع الكتب، إضافة إلى أمسيات شعرية وسردية وأخرى موجهة لقضايا الشأن المحلي، مما جعله محطة ثابتة ضمن خارطة الفعل الثقافي في تيزنيت.
فضاء يستقبل زواره بخدمات إقامة متكاملة
ولا يقتصر تميز فضاء أسرير على نشاطه الثقافي فقط، بل يمتد ليشمل غرف مبيت مجهزة ومخصصة لاستقبال الزوار، ما جعله فضاءً متعدد الأدوار يجمع بين الثقافة والإقامة السياحية الهادئة. هذه الخاصية مكنته من استقبال باحثين وكتاب وفنانين وطلبة يزورون المدينة، ويبحثون عن مكان يجمع بين الراحة والأجواء الفكرية. وبهذه الخدمة الإضافية، عزز الفضاء إشعاعه ليصبح أيضاً نقطة جذب لزوار من داخل الإقليم وخارجه.
دور يتجاوز الاستهلاك اليومي
لا يقتصر فضاء أسرير على تقديم خدمات المقهى التقليدية، بل يتجاوز ذلك إلى أداء رسالة ثقافية واضحة. فقد شكّل منصة للنقاش الحر حول قضايا سياسية واجتماعية، وأتاح الفرصة للمبدعين لعرض أعمالهم في جو مفتوح لا يعرف الحواجز. وبهذا المعنى، أصبح الفضاء جسراً بين المثقف والجمهور، ومنبراً يتيح للجيل الجديد فرصة الاحتكاك بالفكر والإبداع.
وتنسجم هذه التجربة مع التوجه العام للمقاهي الثقافية في المغرب، والتي تسعى إلى جعل الثقافة جزءاً من الحياة اليومية، وإخراجها من إطار النخبوية إلى فضاء قريب من الناس، بما يساهم في صناعة وعي جديد داخل المجتمع المحلي.
تيزنيت… مدينة تبحث عن فضاءات بديلة
ورغم التطور الثقافي الذي تعرفه المدينة، لا تزال تجربة أسرير تكاد تكون النموذج الأبرز للمقهى الثقافي في تيزنيت، في غياب مبادرات مماثلة موثقة أو مُهيكلة بنفس القوة. وهذا ما يفتح الباب أمام الفاعلين المحليين والمبدعين لإحداث فضاءات إضافية تحتضن الشباب والمشهد الأدبي، وتعزز التنشيط الثقافي بالمدينة.
رسالة ثقافية بأدوات بسيطة
برهنت تجربة أسرير على أن تحويل مقهى عادي إلى فضاء ثقافي لا يحتاج إلى إمكانيات ضخمة بقدر ما يحتاج إلى رؤية وشغف. فقد نجحت هذه المبادرة البسيطة في خلق فضاء للحوار والتفاعل الثقافي، وإعطاء قيمة مضافة للمشهد المحلي، وتقديم نموذج حي لمدينة تؤمن بأن الثقافة إحدى ركائز التنمية.





