مجتمع

إلى فراقشي التزكيات : حين يفقد الخطاب السياسي عقله

 

ليست هذه معركة بين صحافي وسياسي ولا سجالًا شخصيًا عابرًا بل لحظة كاشفة لمدى استعداد بعض الفاعلين السياسيين لتحمّل مسؤولية الكلام حين يفقدون أعصابهم، أو مواقعهم أو بوصلتهم.

 

وصفُ الصحافة المغربية بـ «الفراقشية» ليس زلة لغوية ولا انفعالًا عابرًا بل إهانة جماعية تطال مهنة دستورية ومؤسسات إعلامية وطنية، وصحافيات وصحافيين يشتغلون في سياق مهني صعب تحت ضغط اقتصادي خانق وتحديات أخلاقية وقانونية لا يتسع فيها هامش الحرية دائمًا كما ينبغي.

 

وحين يصدر هذا الوصف عن أمين عام حزب سياسي ووزير سابق فإن الأمر يتجاوز الشخصي ليصبح قضية رأي عام.

 

إن المسؤول الحزبي لا يتحدث باسمه الفردي بل من موقع رمزي يفترض فيه الحد الأدنى من الرصانة وضبط الخطاب واحترام المؤسسات.

 

الصحافة ليست «فراقشية».

الصحافة سلطة رقابية و وظيفة مجتمعية وفضاء للنقاش العمومي وأحد أعمدة أي نظام يدّعي الديمقراطية.

 

نعم يمكن الاختلاف مع بعض المنابر، وانتقاد ممارسات مهنية بعينها لكن شيطنة المهنة بأكملها هروب من النقاش واستبدال للحجة بالإهانة.

 

الأخطر في هذا الخطاب التحقيري أنه يعيد إنتاج نظرة قديمة ترى في الصحافة مجرد أداة «تُعلف» أو تُدجَّن لا فاعلًا مستقلًا تحكمه أخلاقيات المهنة وقواعدها.

 

نظرة تتناقض مع الدستور ومع القوانين المنظمة للصحافة ومع الخطابات الرسمية نفسها حين تتغنى بحرية التعبير في المناسبات.

 

من حق أي سياسي أن ينتقد الصحافة، بل أن يحتج على ما يراه انحرافًا أو ظلمًا أو ضعفًا مهنيًا لكن النقد شيء والإهانة شيء آخر.

 

النقد يُبنى بالوقائع والحجج أما الإهانة فتعكس فراغًا في الموقف وعجزًا عن خوض النقاش العمومي بشروطه الطبيعية.

 

الصحافة المغربية رغم أعطابها لا تقبل دروسًا من تجّار التزكيات ولا تعيش على «العلف» الذي غذّى الريع السياسي المتنقّل من دائرة انتخابية إلى أخرى ومن فئة الشباب إلى لائحة النساء.

 

وفي باب الريع تحديدًا يمكن إحصاء ضحايا كُثر من نزهة إلى ليلى مرورًا بالزايدي وصولًا إلى مشاهد مهينة لنساء وُضعن على أبواب البيوت طلبًا لتزكيات تُدار بمنطق الولاء لا الكفاءة.

 

الصحافة فضاء تعددي فيه المستقل و الحزبي والخاص والعمومي وفيه الجيد والمتوسط والضعيف كما هو الحال في كل ديمقراطيات العالم.

 

تعميم الإهانة تبسيط مخلّ لا يخدم إلا من يضيق بالأسئلة ويخشى الضوء ويتوجّس من النقد.

 

الدفاع عن الصحافة اليوم ليس دفاعًا عن أخطاء محتملة، بل دفاع عن المبدأ عن حق المجتمع في المعلومة، عن كرامة الصحافيين،

وعن ضرورة أن يظل الخطاب السياسي منضبطًا لأخلاق المسؤولية لا منحدرًا إلى قاموس الازدراء والتحريض.

 

لسنا بحاجة إلى سياسيين يشتمون الصحافة، ويُزايدون بشعارات محاربة الفساد، وهم عاجزون حتى عن التبرؤ من وزراء عُزلوا لسوء التدبير، أو سُجنوا بسبب الفساد، من أولزين إلى حصاد، وصولًا إلى «المبدع».

نحن بحاجة إلى سياسيين يواجهون الأسئلة و يجيبون بالحجة و يحترمون حق الاختلاف.

 

حين تُهان الصحافة لا يهان الصحافيون فقط بل يُهان حق المواطن في أن يعرف و أن يسأل وأن يراقب.

 

وأخيرا قولوا لنا: أين تُصرف أموال دعم الأحزاب و لا تنزعجوا حين نكتب عن تفاصيل يفضحها تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى