حنين الأبيض والأسود.. حين كان البساط أحمدي والفن على نِيّة وصفا

متابعة: رحال الأنصاري
في زمنٍ لم تكن فيه الريموت كنترول قد عرفت طريقها إلى أيدينا، ولم نكن نعرف من القنوات إلا واحدة، ولا من الترفيه إلا ما تبثه الشاشة الوطنية… كان كل شيء بسيطًا، وكان الفن أقرب إلى القلب من أي وقت آخر.
المذيعة كانت تطل على الشاشة لتقول بكل هدوء:
“أنا برنامج اليوم… ومواعيده كذا وكذا”،
فنصدقها، وننتظر البرنامج وكأننا على موعد مع عزيزٍ غائب.
لم نكن نملك أدوات النقد، ولا نظارات التحليل.
كنا نندهش بسهولة، وننبهر بسرعة، ونسلّم عواطفنا بكل طواعية للمشهد، أيًّا كان.
لذا كانت الأفلام تبدو لنا ساحرة رغم بدائية التصوير،
وكان الإخراج ناعمًا بلا تعقيد،
والأكشن أقرب إلى لعب الأطفال،
لكن قلوبنا كانت مستعدة لتتلقّى كل ذلك بصفاء نادر.
اليوم تغيّر كل شيء.
صرنا نعرف الخلفيات، ونفكّك الرسائل، ونبحث عن الرمز والمعنى،
صرنا نستهلك المحتوى في زمن السوشيال ميديا، ونتابعه بنهم وشك وتدقيق.
المشاهد صارت جريئة،
والحكايات أكثر تشابكًا،
والإخراج أكثر صخبًا.
لكن، وعلى الرغم من هذا التطور التقني والوعي النقدي المتنامي،
ما زال للفن القديم تلك القدرة العجيبة على دغدغة الذاكرة.
فحين نُشاهد مشهداً من فيلم قديم، أو نسمع شارة مسلسل من زمان،
تأخذنا ابتسامة عفوية لا نتحكم بها،
وتأخذنا معها الذكرى…
نبتسم لأننا افتكرنا لما كنا طيبين.
لما كنا نُحبّ الفن لنفسه، بلا حواجز، ولا فلاتر، ولا “تريندات”.
نبتسم لأن الماضي – رغم بساطته – لم يكن سطحياً،
بل كان مليئًا بالصدق،
صادقًا في تعبيره، نقيًا في نواياه.
فهل كنا حقًا “مش فاهمين حاجة”؟
أم كنا نفهم بطريقتنا البريئة،
نفهم الفن كما يُفهم القلب لا كما تُحلله العقول؟
ربما الزمن تغيّر، وربما الوعي تغيّر…
لكن الحنين لا يتغيّر،
لأنه ببساطة… ما زال يُحبّ الأبيض والأسود.