غموض يلف آلية التشاور حول إعادة النظر في مدونة الأسرة
انطلق ورش “إعادة النظر في مدونة الأسرة” والأنظار تتجه في هذه المرحلة الأولى إلى الكشف بشكل رسمي عن آلية التشاور التي تعتزم “لجنة الإشراف” اعتمادها في تدبير هذا الورش الحساس، وخاصة على مستوى فعالية التواصل مع الرأي العام، وعلى مستوى تصنيف الأطراف التي ستشملها المشاورات وكيفية إجرائها، وكيفية تدبير مخرجات تلك المشاورات…
لقد حددت الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة ثلاثة تصنيفات للأطراف المعنية بالورش المفتوح. مستوى الإشراف ونجد فيه 3 أطراف (وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة). ومستوى الإشراك الوثيق، ونجد فيه ثلاثة أطراف أيضا (المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة). والمستوى الثالث ينبغي الانفتاح عليه، وفق تعبير الرسالة الملكية التي جاء فيها ” مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين”.
وإذا كان المستويان الأول والثاني واضحين من حيث المعنيين بهما، فإن المستوى الثالث ينفتح على قاعدة عريضة وواسعة من الفاعلين. وعلى مستوى تدبير التعامل معها نجد بعض الغموض الذي يتطلب المعالجة السريعة والفعالة.
وإلى حدود كتابة هذه الأسطر انعقدت ثلاثة اجتماعات تهم الورش المفتوح، لكن ما رشح حول أعمالها لا يقدم صورة واضحة وكافية حول آلية التشاور في المستوى الثالث المشار إليه سابقا.
لقد كان الاجتماع الأول يوم الأربعاء 27 شتنبر بمقر رئاسة الحكومة ترأسه السيد عزيز أخنوش رئيس الحكومة، وحضره وزير العدل، السيد عبد اللطيف وهبي، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، السيد محمد عبد النباوي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، السيد الحسن الداكي. وهذا الاجتماع الأول يمكن وصفه باجتماع “لجنة الإشراف” وفق الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة التي حصرت الإشراف على الورش في تلك الجهات الثلاثة.
ولم يصدر عن هذا الاجتماع الأول أي بلاغ، لكن يفهم من التصريح الصحافي لرئيس الحكومة عقبه أنه تمت مدارسة كيفية تفعيل الرسالة الملكية، وخاصة الخطوة الموالية المتعلقة بالاجتماع مع الفئة الثانية التي حددتها الرسالة الملكية من باب الإشراك الوثيق، وباقي الفئات. وحسب وكالة المغرب العربي للأنباء أكد” رئيس الحكومة أنه سيتم، في إطار تفعيل مضامين الرسالة الملكية، عقد اجتماع بداية الأسبوع المقبل، تعقبه لقاءات للإنصات لجميع مكونات المجتمع المغربي المعنية بهذا الأمر “، معربا عن ” الأمل في أن يساهم فيها جميع المتدخلين بشكل إيجابي”.
أما الاجتماع الثاني فقد انعقد يوم الجمعة 29 شتنبر بمقر أكاديمية المملكة بالرباط، حضره وزير العدل والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة. أي الأطراف التي أوكلت لها الرسالة الملكية مهمة الإشراف على الورش، لكن لم يترأس الاجتماع رئيس الحكومة ودون الإشارة إلى كيفية تدبير مسألة رئاسة اجتماعات “لجنة الاشراف” هذه.
ويستنتج من التصريحات الصحفية التي أدلى بها المسؤولون الثلاثة أن الاجتماع له طبيعة تنظيمية ومنهجية.
فحسب تصريح وزير العدل فالإجتماع تم فيه ” التهييئ للاجتماعات المقبلة لتنظيم وتوزيع العمل، مبرزا أنه سيتم الشروع ابتداء من يوم الجمعة المقبل في العمل على المشروع”.
من جهته أكد محمد عبد النباوي، أن “اللجنة بدأت الاشتغال على أساس تحديد طريقة العمل، وكيفية الاستماع لمختلف الأطراف ذات الصلة، وأيضا من أجل إجراء المشاورات اللازمة بالشكل الذي أمر به جلالة الملك، أي بـ”شكل مكثف، ووثيق وموسع”. وأضاف أنه ابتداء من الأسبوع المقبل ستباشر اللجنة الاستماع لبعض الأطراف، على أن تستمر هذه العملية في الفترة المقبلة”.
بدوره نوه الحسن الداكي، ” بتجسيد آلية التعاون والإشراك المؤسساتي بين مختلف الهيئات المعنية بملف الأسرة ” لكي نستمع وننفتح على مختلف الفعاليات طبقا للتوجيهات الملكية السامية، وننصت لكل مكون من مكونات المجتمع له رأي في هذا التوجه العام الذي أمر به جلالة الملك “.
والاجتماع الثالث انعقد يوم السبت 30 شتنبر بمقر أكاديمية المملكة بالرباط، والاجتماع حضره إضافة إلى أعضاء “لجنة الإشراف”، كلا من الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، السيد محمد يسف، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيدة آمنة بوعياش، والوزيرة المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، السيدة عواطف حيار. وهذه التشكيلة أطلق عليها في الإعلام الرسمي اسم “اللجنة الموسعة”.
وحسب وكالة المغرب العربي للأنباء تم خلال هذا اللقاء تدارس منهجية العمل، التي تكفل لجميع مكونات هذه اللجنة الموسعة، المشاركة بشكل وثيق في مختلف مراحل التفكير والتشاور الجماعي لتعديل المدونة، بالشكل المضمن في الرسالة الملكية السامية، مع تحديد دورية وانتظامية الاجتماعات، وطريقة العمل، سواء فيما يتعلق بالاستماع والإصغاء لمختلف الفعاليات أو فيما يخص تدارس القضايا المطروحة والتداول فيها.
إن ما سبق لا يقدم المعلومات الكافية حول آلية تدبير ورش “إعادة النظر في مدونة الأسرة” في باقي المستويات، باستثناء الحديث عن جلسات الاستماع، وهذه الأخيرة لا تهم الجميع، بل نجد ما يفيد أن بعض الفاعلين سيتم الاكتفاء بتلقي مقترحاتهم على شكل مذكرات مثلا.
فالتصريحات التي أدلى بها المسؤولون عقب مختلف الاجتماعات ونقلتها وكالة المغرب العربي، تعطي معلومات مختلفة لكنها لا تكفي لإعطاء صورة واضحة حول آلية التشاور.
فرئيس الحكومة عقب الاجتماع الأول، قال إنه سيتم تنظيم “لقاءات للإنصات لجميع مكونات المجتمع المغربي المعنية بهذا الأمر”.
ووزير العدل صرح عقب اجتماع “لجنة الاشراف، أنه “سنستمع للقوى المدنية، وللمسؤولين الحكوميين، وسنحاول أن نصغي للجميع لكي نتفق على مجموعة من التغييرات”.
والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أعرب في تصريح صحافي عقب اجتماع “لجنة الإشراف”، عن الأمل في أن تقوم جميع الأطراف المعنية بـ”موافاتنا بكافة المقترحات التي تشغل بالها من اجل بحثها ورفعها إلى السدة العالية بالله”.
ورئيس النيابة العامة، صرح، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أنه “… ننصت لكل مكون من مكونات المجتمع له رأي في هذا التوجه العام الذي أمر به جلالة الملك “.
ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان تحدثت عن الفاعلين الذين ستشملهم جلسات الاستماع والتشاور، وذكرت، في تصريح صحافي عقب اجتماع “اللجنة الموسعة”، أنه تم في الاجتماع ” التشاور بخصوص كيفية تنظيم مخطط اللقاءات وجلسات الاستماع والتشاور مع جمعيات حقوق الإنسان والنساء والطفولة والفاعلين المعنيين بمن فيهم القضاة، وكذلك الباحثين والأكاديميين، الذين اشتغلوا على موضوع إصلاح مدونة الأسرة”.
وبالنسبة لمختلف الفاعلين في المجالات ذات الصلة بمدونة الأسرة، لم يصدر بعد ما يفيد بتلقيهم دعوات حضور جلسات الاستماع، أو دعوات إعداد مذكرات، كما لم تتفاعل بعد مع الديناميكية الحالية التي أطلقتها اللقاءات الثلاثة لحد الآن.
وتطرح أسئلة كثيرة في هذا الصدد نذكر منها ما يلي:
هل سيتم الانصات إلى الأحزاب السياسية؟ أم سيتم الاكتفاء فقط بمنظماتها النسوية والطفولية؟
وهل سيتم التشاور والاستماع إلى هيئات المحامين؟ وهيئات العدول؟ حيث لم تتم الإشارة إليهم مثلا في تصريحات السيدة بوعياش في الوقت الذي أشارت فيه إلى القضاة، وربما تقصد جمعيتهم المدنية “نادي القضاة”.
وهل سيتم إشراك المجلس الأعلى للتربية والتكوين، على اعتبار أن التربية من الوظائف الأساسية للأسرة، وتعاني عملية التعليم والتدريس من تداعيات المشاكل الأسرية.
وهل ستنفتح المشاورات على الجامعات، وهي التي تحتضن مختبرات البحث والدراسة حول قضايا الأسرة؟ وكيف سيتم اختيار مراكز الدراسات والأبحاث ذات الصلة بالموضوع؟ …
كيف سيتم التعامل مع النسيج الجمعوي ومراكز الاستماع المشتغلة في قضايا المرأة؟ وما هي الأساليب والمعايير التي ستعتمد في التشاور معها؟
وهل سيتم الاستماع إلى المنظمات الدعوية الذي دأبت على المشاركة في مختلف محطات التشاور، مثل حركة التوحيد والإصلاح وغيرها، أم سيتم الاكتفاء بتلقي مذكراتها؟
وعلى المستوى الصحي نجد فاعلين في مجال الصحة النفسية للأسرة ولمكوناتها، وحضور رأيها في مناقشة ما يهم الأسرة مهم جدا.
إن الحقل الإعلامي المغربي أيضا يحتضن إعلاما متخصصا في قضايا الأسرة، فهل سيتم الانفتاح على وسائل الاعم المختصة في المجال؟
إن المغرب يزخر بالعديد من الفاعلين المهتمين بقضايا الأسرة، سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية الحقوقية، او من نواحي أخرى عديدة ومختلفة مثل حماية النساء والأطفال والمسنين وغيرهم، … وإلى حد الآن لم يتضح بعد من المعنيون من كل ما سبق بالمشاورات والاستماع وتلقي المقترحات؟ ومن ليس معنيا بذلك؟
إن وضوح الصورة في هذا المستوى الذي أثرناه مهم للغاية، لأنه يظهر حجم وعمق وقوة المشاورات في هذا الورش الهام والحساس. وإعمال المقاربات المنفتحة على الجميع والعادلة والشفافة ستضفي المزيد من المصداقية والقوة على أعمال كل من لجنة الإشراف واللجنة الموسعة