المغرب وألمانيا : فهم تحذيرات السفر في ضوء التعاون الأمني الاستراتيجي

جددت وزارة الخارجية الألمانية تحذيراتها لمواطنيها المسافرين إلى المغرب، داعية إلى توخي أقصى درجات الحيطة والحذر، خاصة في مناطق محددة كالصحراء المغربية والمناطق الحدودية مع الجزائر. هذه التوصيات، التي لم يطرأ عليها تغيير منذ فبراير الماضي، تستند إلى تقييمات أمنية محدثة، مع التأكيد على أن “الأوضاع قد تتغير بسرعة”. ورغم استقرار المغرب النسبي، أشار البيان إلى وجود “خطر قائم من هجمات إرهابية” ودعا المسافرين إلى تجنب السفر منفردًا في المناطق الجبلية والصحراوية والالتزام بمرشدين معتمدين. كما حذرت الوزارة من السفر تمامًا إلى الصحراء المغربية الجنوبية لغياب التغطية القنصلية وخطورة الألغام، ونبهت من الاقتراب من الحدود الجزائرية المغلقة منذ 1994، مشددة على خطر الاعتقال. بالإضافة إلى ذلك، نوهت الوزارة إلى ارتفاع معدلات السرقات والاعتداءات في المناطق السياحية، وخطر مروجي المخدرات في الريف، وحوادث الكلاب الضالة. كما دعت إلى احترام الطابع المحافظ للمجتمع المغربي، محذرة من العلاقات الجنسية خارج الزواج والمثلية الجنسية التي تعتبر جرائم بموجب القانون المغربي، وشددت على احترام الخصوصية الدينية والثقافية، خاصة خلال شهر رمضان.
التحذيرات : إجراءات معيارية وتعاون استخباراتي استراتيجي
في هذا الصدد، يوضح البراق شادي عبد السلام، الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن “بطاقة معلومات السفر هي وثيقة إرشادية تصدرها عادةً وزارات الخارجية أو الجهات الحكومية، وتهدف إلى تزويد المسافرين بمعلومات أساسية وحيوية حول وجهتهم الأجنبية”. وأضاف البراق، في تصريح لموقع “الوطن بريس”، أن “هذه النشرة دورية تصدرها مصالح وزارة الخارجية الألمانية بناء على تقدير موقف وتحليل للمعطيات المختلفة التي تتوصل بها وزارة الخارجية الألمانية حول مختلف دول العالم وهو بروتوكول معمول به من طرف جميع البلدان”.
ويتابع البراق: “هذه النصائح والإرشادات تهم المواطنين الألمان الراغبين في زيارة المغرب حصرا ولا علاقة لها بالوضع الأمني في المملكة المغربية التي تعتبر واحة للأمن والاستقرار والسلام في المنطقة الأورو-إفريقية”. وأشار إلى أن هذه الممارسة “معيارية ومقبولة دوليًا تقوم بها جميع الدول تقريبًا (بما في ذلك المغرب نفسه لمواطنيه المسافرين إلى الخارج). الهدف منها هو حماية مواطنيها من خلال تزويدهم بمعلومات موضوعية ومحدثة حول الظروف الأمنية، القانونية، والصحية في البلدان الأجنبية”.
المغرب شريك أمني محوري لألمانيا وأوروبا
على صعيد آخر، يشدد البراق على أن “التعاون الأمني والمخابراتي المغربي الألماني يعتبر أحد صمامات الأمان الإقليمية”. ويوضح أن “بفضل هذا التعاون استطاعت ألمانيا أن تنجو من حمامات دم حقيقية بفضل يقظة واستباقية أجهزة الأمن المغربية التي قدمت تحذيرات متعددة لنظيراتها الألمانية حول عمليات إرهابية”. وكمثال، أشار إلى أن “المغرب قدم مساعدة استخباراتية حاسمة لألمانيا في الماضي لإحباط هجمات إرهابية، كما حدث قبل هجوم برلين عام 2016، حيث قدمت الـ DGST معلومات للـ BND حول المشتبه به أنيس العامري ومجموعته وهو الأمر الذي أكده المكتب الاتحادي لحماية الدستور”.
ويضيف الخبير الدولي أن “التعاون الأمني والمخابراتي بين المغرب وألمانيا شراكة استراتيجية حيوية، مدفوعة بتحديات عالمية مشتركة كالإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود”. ويبرز أن “المغرب شريك أمني محوري لألمانيا وأوروبا بفضل خبرته الواسعة في مكافحة الإرهاب، حيث تسهم معلوماته الاستخباراتية في إحباط العديد من المخططات الإرهابية”. هذا التعاون لا يقتصر على تبادل المعلومات ومكافحة الجريمة المنظمة، بل يشمل أيضًا الأمن السيبراني وأمن الأحداث الكبرى ككأس العالم 2030، إضافة إلى التعاون التقني والتدريب المشترك.
انعكاس التعاون على تقييمات السفر
تكمن أهمية هذا التعاون، حسب البراق، في “تحقيق الأمن المشترك، حيث يدرك الطرفان أن التهديدات الأمنية الحديثة تتطلب استجابة دولية منسقة”. ويؤكد أن هذا التعاون “ساهم في بناء الثقة بين الأجهزة الأمنية والمخابراتية للبلدين، مما يعزز فعالية التنسيق وتبادل المعلومات”.
وفي إطار المقاربة الاستراتيجية الفاعلة للمملكة المغربية في علاقاتها الخارجية، والتي تبتعد عن التبعية وتؤسس للندية والاحترام المتبادل، يرى البراق أن “هذه المقاربة تعزز من قدرة الأجهزة الاستخباراتية المغربية على العمل كشريك متساوٍ وفاعل في تبادل المعلومات والتقييمات الأمنية”. وبالتالي، “فإن الشراكة الاستراتيجية الأمنية والتعاون البناء الاستخباراتي بين المغرب وألمانيا من المنتظر منه أن يساهم في صياغة أي موقف أمني يصدره الجانب الألماني بخصوص المغرب”.
ويختتم البراق بالإشارة إلى أن “نشرة السفر، في جوهرها، هي منتج استخباراتي يعكس تقييم الوضع الأمني بناءً على المعلومات المتاحة”. وفي ظل هذه الشراكة الاستراتيجية، “تكون المعلومات التي تتبادلها الأجهزة الاستخباراتية المغربية والألمانية أكثر دقة، تفصيلاً، وحداثة. هذا يسمح لوزارة الخارجية الألمانية بتقديم تقييمات موضوعية ومستنيرة لمواطنيها، بدلاً من الاعتماد على معلومات عامة أو غير مكتملة أو مستقاة من مصادر المعلومات المفتوحة OSINT”. وعليه، فإن “النشرة لا تصبح مجرد تحذير أحادي الجانب، بل هي انعكاس لجودة التعاون الأمني الثنائي، وحصيلة لجهود مشتركة لفهم التهديدات وتقييمها”.