بناء الإنسان أولًا

في خضم الحديث المتكرر عن أعطاب المنظومة الصحية، تتناسل الروايات من مختلف مستشفياتنا، كاشفة عن مشاهد مؤلمة لا تُختزل فقط في ضعف التجهيزات أو قلة الأطر الطبية، بل تكشف ـ بعمق ـ عن إخفاق جماعي في مشروع بناء الإنسان.
حين يدخل المواطن المستشفى، لا يطالب بمستحيل، ولا يتوقع معجزة طبية، بل يسعى فقط إلى حدٍّ أدنى من الكرامة، والمعاملة الإنسانية، والاهتمام. لكنه يصطدم – في كثير من الحالات – بجفاء بارد، ووجوه متعبة، وأحيانًا لا مبالية.
إن هذا الواقع المؤلم يدفعنا لطرح السؤال الجوهري:
هل أعددنا الإنسان الذي نريده داخل هذه المؤسسات؟
هل ربّينا جيلاً يرى في مهنته مسؤولية قبل أن تكون مصدر دخل؟
هل غرسنا في أبنائنا، منذ الطفولة، قيم الرحمة، والإخلاص، والتفاني؟
لا يمكن أن نستمر في تكديس المعدات، وتشييد البنايات، والحديث عن الإصلاح الإداري، دون أن ننتبه إلى أساس كل ذلك: الإنسان. الطبيب، الممرض، الإداري، الحارس… جميعهم مفاتيح نجاح المنظومة أو فشلها. لكنهم جميعًا، قبل أن يكونوا مهنيين، هم مواطنون، ونتاج تربية وثقافة ومجتمع.
لقد حان الوقت لنضع في صلب خطابات الإصلاح ما نتهرب منه دومًا:
بناء الإنسان لا يبدأ في الجامعة، بل في البيت والمدرسة.
غرس القيم لا يأتي في لحظة، بل هو تراكم سنين.
والمستشفى – في النهاية – ليس إلا مرآة لما زرعناه في أعماق أبنائنا.
إذا أردنا نظامًا صحيًا يحترم الإنسان، فليكن أول إصلاح: صناعة إنسان يحترم الإنسان.