تيزنيت…الكُتّاب إلى محراب الإمامة سيدي الحاج العربي العزاوي… نصف قرن في خدمة القرآن والعلماء والوطن.

متابعة : عابد أموسى
تُزخر منطقة سوس بأعلامٍ بصموا تاريخها العلمي والروحي، وكان لهم أثرٌ بالغ في ترسيخ التعليم العتيق وخدمة القرآن الكريم ونشر قيم الاعتدال والتشبث بالثوابت الدينية والوطنية. ومن بين هؤلاء، يبرز اسم الفقيه الرباني الشيخ سيدي الحاج العربي بن علي بن العربي العزاوي البراييمي، شيخ مدرسة ومسجد آيت امحمد بمدينة تيزنيت، الذي امتدت مسيرته العلمية والدعوية لما يقارب نصف قرن.

وُلد الشيخ سنة 1951 بقرية أدوار إگرامن (المرابطين) بقبيلة آيت براييم، إقليم تيزنيت، في أسرة علمية عُرفت بالعلم والصلاح، ويُرجّح انتسابها إلى ذرية الولي الصالح سيدي يعزى ويهدى. التحق مبكرًا بكتاب مسجد قريته وهو لم يتجاوز خمس سنوات، حيث تلقى مبادئ القراءة وحفظ سور من القرآن الكريم على يد الشيخ الإمام المقرئ سيدي أحمد إوبراهيم الهلالي البراييمي، قبل أن يواصل تعليمه على يد والده وشيخه المربي سيدي علي بن العربي العزاوي، الذي كان له أبًا ومعلّمًا ومرشدًا.

وتدرّج الشيخ في مساره العلمي متنقلًا بين الكتاتيب والمساجد والمدارس العتيقة بسوس، فتتلمذ على عدد من فقهاء المنطقة، من بينهم سيدي فاتح الإخصاصي، وسيدي إبراهيم أوالحسن البراييمي، وسيدي أحمد أوعلي الإخصاصي، قبل أن يُتمّ ختم القرآن حفظًا ورسمًا بمسجد تيسغارين على يد سيدي الحاج مبارك أوالحسين البراييمي الأديعيشي.

ومع شغفه بالتحصيل، شدّ الرحال إلى المدرسة القرآنية بالإخصاص، حيث نهل من علم المقرئ الكبير سيدي الحاج محمد أوعبد الكريم السملالي الإخصاصي، المتخصص في علم القراءات. كما انتقل إلى مسجد والحر بمنطقة الدشيرة ضواحي أكادير، فجمع بين التعليم والتعلّم، مساعدًا شيخه سيدي محمد بن الحسن أبو الفضائل الساحلي في تصحيح الألواح وتحفيظ الطلبة، ومستفيدًا من علمه الغزير.

وتواصل عطاؤه العلمي بمدرسة آيت موسى التابعة لعمالة إنزكان آيت ملول، ثم عاد إلى الإخصاص ليُتمّ الختمة الخامسة برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق ضبطًا ورسمًا وأداء. كما أقام أربع سنوات بالمدرسة العتيقة بآيت الرخا (إقليم سيدي إفني حاليًا)، حيث تتلمذ على يد العالم الحافظ سيدي الحاج محمد بن الحسن البراييمي العزاوي، وواصل بعدها دراسته في المتون والعلوم الشرعية واللغوية بعدة مدارس عتيقة بسوس.
وفي سنة 1971، التحق بالمدرسة العلمية العريقة تنالت، ثم بمدرسة سيدي سعيد أومسعود بآيت ميلك، حيث أتمّ دراسته خلال خمس سنوات على يد الشيخ سيدي الحاج إبراهيم بن العربي الميلكي المسعودي، الذي حظي عنده بمكانة علمية وتربوية متميزة.
سنة 1977، وبناءً على مراسلة أعيان مدينة تيزنيت، اختير الشيخ سيدي الحاج العربي العزاوي ليكون فقيهًا مشارطًا بمسجد آيت امحمد، حيث استقر منذ ذلك الحين إمامًا وخطيبًا وواعظًا ومدرّسًا، ولا يزال يؤدي رسالته العلمية والدعوية إلى اليوم.
وقد نذر الشيخ ما يقارب 48 سنة للتعليم والتربية والوعظ والإرشاد، مؤكدًا في دروسه وخطبه على أن الدين لا ينفصل عن حب الوطن، فكان دائم التذكير بثوابت الأمة المغربية، وفي مقدمتها البيعة الشرعية للعرش العلوي المجيد، والمذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني.
وتقديرًا لمساره العلمي وأثره التربوي، نال الشيخ عدة تزكيات وشهادات تقديرية من المجلس العلمي المحلي والمندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية والمجلس الجماعي لمدينة تيزنيت، إلى جانب جمعيات من المجتمع المدني. كما حظي سنة 2006 بـوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى، الذي أنعم به عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
ويبقى الشيخ سيدي الحاج العربي العزاوي نموذجًا للعالم العامل، الذي جمع بين العلم والتربية وخدمة الوطن، وساهم في تنوير أجيال متعاقبة، حاملًا مشعل الاعتدال والوسطية، ووفاءً راسخًا لثوابت الأمة المغربية.





