“الكنوز الحرفية المغربية”… برنامج وطني يعيد الاعتبار للحرفة داخل المؤسسات السجنية

صالح داهي . الرباط
في خطوة تعكس توجهًا وطنيًا متقدمًا نحو تعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لنزلاء المؤسسات السجنية، أشرف كلٌّ من السيد لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والسيد محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، يوم الثلاثاء 16 دجنبر 2025، على إعطاء الانطلاقة الرسمية لبرنامج “الكنوز الحرفية المغربية” بالمؤسسات السجنية، وذلك من داخل السجن المحلي تامسنا.

ويأتي هذا البرنامج في إطار رؤية استراتيجية تروم جعل التكوين المهني والحرفي رافعة أساسية لإعادة إدماج السجناء في المجتمع، من خلال تمكينهم من مهارات عملية قابلة للتوظيف بعد الإفراج، بما ينسجم مع المقاربة الإصلاحية الجديدة التي تعتمدها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.

ويمثل إطلاق برنامج “الكنوز الحرفية المغربية” تتويجًا لاتفاقية شراكة مؤسساتية جمعت بين كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.

وتهدف هذه الشراكة إلى تثمين التراث الحرفي المغربي، وربطه بمسار الإدماج الاجتماعي للسجناء، عبر نقل المعارف التقليدية الأصيلة إلى فضاءات غير تقليدية، وتحويلها إلى أدوات لإعادة بناء الذات وتحقيق الاستقلال الاقتصادي بعد قضاء العقوبة.

ويرتكز البرنامج على تكوين نزِيلات ونزلاء المؤسسات السجنية في عدد من الحرف التقليدية ذات الحمولة الثقافية والاقتصادية، من بينها الزليج التطواني، والطرز السلاوي، والسروج المطرزة، والسطرمية الجلدية المطرزة، إضافة إلى الصناعات النباتية التقليدية بالجنوب.

وتُعد هذه الحرف جزءًا من الذاكرة الجماعية للمغاربة، لما تحمله من رمزية تاريخية وجمالية، كما تشكل في الوقت نفسه مصدرًا حقيقيًا لفرص الشغل والدخل، سواء في إطار التعاونيات أو المقاولات الصغرى والمتوسطة.

ولا يقتصر البرنامج على الجانب التقني فحسب، بل يراهن أيضًا على البعد الإنساني والنفسي، من خلال تعزيز الثقة في الذات لدى النزلاء، وتنمية حس المسؤولية والانضباط والعمل الجماعي. كما يسهم التكوين الحرفي في الحد من مظاهر العود إلى الجريمة، عبر فتح آفاق مهنية بديلة وقانونية بعد الإفراج.

وفي هذا السياق، أكد المسؤولون المشرفون على البرنامج أن الاستثمار في الإنسان داخل المؤسسات السجنية يُعد خيارًا استراتيجيًا، وليس مجرد إجراء اجتماعي، مشددين على أن التكوين والتأهيل المهني يشكلان مدخلًا أساسيًا لإعادة الإدماج الفعلي والمستدام.

ومن جهة أخرى، ينسجم برنامج “الكنوز الحرفية المغربية” مع التوجهات الوطنية الرامية إلى حماية التراث اللامادي المغربي وصونه من الاندثار، عبر تكوين أجيال جديدة من الحرفيين، حتى داخل الفضاءات السجنية، وهو ما يعكس تصورًا حديثًا لدور المؤسسات الإصلاحية في المجتمع.

كما أن إشراك منظمة اليونسكو في هذا المشروع يمنحه بعدًا دوليًا، ويعزز من مكانته كنموذج يمكن تعميمه وتصديره إلى تجارب مماثلة في بلدان أخرى. ويُرتقب أن يشكل هذا البرنامج نموذجًا رائدًا في مجال إعادة إدماج السجناء، خاصة إذا ما تم تعميمه على باقي المؤسسات السجنية بالمملكة، وربطه بسلاسل الإنتاج والتسويق والتعاونيات الحرفية، بما يضمن استمر





