أحوال الطقس

العاصفة لا تنتظر البلاغات: ميسور حين تختبر الدولة قربها من المواطن

 

متابعة : فريد ادريسي

 

في مغربٍ اعتاد أن يقرأ الطبيعة لا بوصفها خصمًا، بل امتحانًا للتضامن والحكمة، جاءت تجربة ميسور لتطرح سؤالًا جريئًا ومثيرًا للجدل: هل ننتظر الكارثة لنتحرك، أم نتحرك كي لا تقع؟ حين تشتد التقلبات المناخية، وتنقطع المسالك، وتضيق الرؤية، لا يعود النقاش إداريًا باردًا، بل يصبح أخلاقيًا بامتياز: من كان حاضرًا قبل أن يدفع المواطن الثمن؟

في إطار توصيات لجنة اليقظة الإقليمية، تحركت السلطة المحلية بقيادة ميسور خارج منطق ردّ الفعل، وتحت إشراف رئيس الدائرة، وبتنسيق مباشر مع قائد قيادة ميسور وخليفته، تم تنزيل إجراءات وقائية واستباقية على الأرض. تدخل سريع عند انقطاع المسالك أو تدهور الرؤية، رفع لمستوى اليقظة، وتعبئة مستمرة بين مختلف المتدخلين: جماعتي ويزغت وسيدي بوطيب، الوقاية المدنية، الدرك الملكي، والقوات المساعدة. هنا، لا يتعلق الأمر بتعداد أسماء، بل بمنظومة اشتغال تُراهن على التنسيق بدل الارتباك، وعلى الحضور بدل الغياب.

هذه التدابير لم تكن مجرد إجراءات تقنية، بل ممارسة ميدانية انعكست بشكل مباشر على استمرارية التنقل، وتأمين الخدمات الحيوية، حتى في أحلك اللحظات التي تفرضها الأحوال الجوية الصعبة. في مثل هذه السياقات، يشعر المواطن أن الدولة ليست لافتة ولا شعارًا، بل فعلٌ يتجسد في فتح طريق، وتأمين عبور، ومنع عزلة، وحماية حياة.

ولأن الوقاية لا تكتمل دون إشراك المجتمع، تم توجيه نداءات مباشرة إلى المواطنين عبر مكبرات الصوت بالمساجد، في لحظة دالة على خصوصية النموذج المغربي، حيث يلتقي الفضاء الروحي بالواجب المدني. دعوة واضحة لاتخاذ الحيطة والحذر، والالتزام بالتدابير الوقائية، لا بلغة التخويف، بل بلغة الشراكة والمسؤولية المشتركة.

وما يُحسب لهذه المقاربة أنها لم تختزل الأزمة في بعدها المناخي فقط، بل التفتت إلى الإنسان في هشاشته، من خلال تنظيم قافلة طبية بدوار طكنتشة بجماعة ويزغت، إلى جانب حملات دورية داخل نفوذ قيادة ميسور، في تأكيد على أن الاستباق ليس أمنًا فقط، بل صحة، وكرامة، وحضورًا للدولة حيث يكون المواطن في أمسّ الحاجة إليها.

اليوم، تواصل السلطة المحلية، بمعية مختلف المتدخلين، حالة التأهب الدائم 24/24 و7/7، ليس استعراضًا للجاهزية، بل التزامًا عمليًا بضمان سلامة المواطنين واستمرارية الخدمات الأساسية. وهنا يبرز جوهر الجدل: حين تكون الدولة يقِظة، هل ما زلنا بحاجة إلى انتظار الكارثة لنصدّقها؟

تجربة ميسور لا تدّعي الكمال، لكنها تفتح نقاشًا ضروريًا حول معنى التدبير الاستباقي، وحول علاقة المواطن بمؤسساته في زمن التغيرات المناخية. إنها تقول، بصمتٍ فعّال، إن العاصفة لا تنتظر البلاغات، وإن الدولة التي تتحرك قبل الخطر، تستحق أن تُرى، وأن تُناقَش، وأن تُثمَّن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى