أحوال الطقس

*محاربة السمسرة داخل المحاكم: معركة تخليق العدالة واستعادة ثقة المواطن*

 

*بقلم: خيرالدين قياد*

 

في سياق التحولات العميقة التي يشهدها قطاع العدالة بالمملكة المغربية، تبرز محاربة السمسرة داخل المحاكم كإحدى أولويات الإصلاح القضائي، باعتبارها ظاهرة خطيرة تمس جوهر العدالة، وتسيء إلى هيبة القضاء، وتضرب في العمق مبدأ المساواة أمام القانون. فالسمسرة ليست مجرد سلوك منحرف، بل ممارسة إجرامية تُقوض الثقة المجتمعية في مؤسسة يُفترض أن تكون ملاذاً للإنصاف وحصناً للحقوق.

 

وانطلاقاً من هذا الوعي المؤسساتي، تواصل النيابة العامة اضطلاعها بدورها الدستوري في تخليق المرفق القضائي وربط المسؤولية بالمحاسبة، من خلال اعتماد مقاربة حازمة تقوم على الصرامة في تطبيق القانون وعدم التساهل مع كل أشكال الوساطة غير المشروعة أو الادعاء الزائف بامتلاك النفوذ داخل الجهاز القضائي.

 

وفي هذا الإطار، أصدر “الأستاذ هشام الحسني”، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بإنزكان، تعليمات واضحة وصارمة تقضي بالتصدي الفوري والحازم لظاهرة السمسرة داخل المحكمة ومحيطها، مع التأكيد على تفعيل المقتضيات الزجرية للقانون الجنائي في حق كل من يثبت تورطه في استغلال هشاشة المتقاضين أو الإيهام بقدرته على التأثير في مجريات العدالة. وهي تعليمات تعكس إرادة قوية لتحصين الفضاء القضائي من كل الممارسات التي تشوه صورته وتفرغ العدالة من مضمونها الأخلاقي والقانوني.

 

ولا تنفصل هذه التوجيهات عن رؤية أوسع على مستوى محكمة الاستئناف بأكادير، تحت إشراف “”الأستاذ عبد الرزاق فتاح””، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، الذي يضع تخليق الحياة القضائية ومحاربة الفساد واستغلال النفوذ في صلب السياسة الجنائية، انسجاماً مع التوجه العام للدولة في صيانة النظام العام القضائي وحماية حقوق المتقاضين دون تمييز.

 

وقد أكد المسؤولان القضائيان، في مناسبات متعددة، أن السمسرة جريمة مكتملة الأركان، يعاقب عليها القانون، وأن النيابة العامة ماضية في تفعيل آليات المتابعة والزجر بكل حزم، بعيداً عن أي منطق للانتقائية أو الحصانة غير المشروعة، إيماناً بأن هيبة العدالة لا تُصان إلا بتطبيق القانون على الجميع، أياً كانت مواقعهم أو صفاتهم.

 

وفي المقابل، تشدد النيابة العامة على أن معركة محاربة السمسرة لا يمكن أن تُخاض بمعزل عن انخراط باقي الفاعلين، من مصالح أمنية وسلطات إدارية، إلى جانب المجتمع المدني والإعلام الجاد، من خلال التبليغ عن هذه الممارسات المشبوهة، ونشر ثقافة قانونية قائمة على الوعي بالحقوق والمساطر، بما يعزز ثقة المواطن في القضاء ويكرس دولة الحق والقانون.

 

إن هذه الدينامية المتواصلة تعكس إرادة مؤسساتية صادقة لإرساء عدالة نزيهة وفعالة، قوامها النزاهة والاستقلال واحترام القانون، وتؤكد أن القضاء المغربي ماضٍ بثبات في مسار الإصلاح، غير قابل للتراجع أمام كل الممارسات التي تسيء إلى رسالته النبيلة، وتنتقص من كرامة المتقاضين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى