حزب الوسط الإجتماعي و التحديات الوطنية : إلتزام راسخ و مواقف ثابتة

تجسد أشغال الدورة العادية للمجلس الوطني لحزب الوسط الاجتماعي، المنعقدة تحت شعار “تحقيق الوحدة الترابية عبر الدبلوماسية الملكية”، حركية تنظيمية متجددة يبرزها الانخراط الواعي لمناضلات ومناضلي الحزب من كافة أقاليم وجهات المملكة. ويظهر هذا التجمع الحاشد للأطر والكفاءات مستوى الالتزام الصادق تجاه المشروع المجتمعي للحزب، معبراً عن تلاحم وثيق بين القواعد الحزبية و القيادة الوطنية في سبيل الرقي بالأداء السياسي وتوطيد البناء المؤسساتي. كما تبرهن الأجواء الحماسية السائدة على جاهزية العائلة الحزبية لمواصلة مسار النضال بروح وطنية عالية، مع التركيز على تقوية الصف الداخلي وضمان استمرارية العطاء السياسي بما يخدم المصالح العليا للوطن.
وفي مستهل هذه المحطة السياسية، اختار الأمين العام الأستاذ الحسن مديح ترسيخ البعد القيمي للحزب عبر وقفة إجلال وترحم على أرواح ضحايا الفيضانات الأليمة بمدينتي أسفي وضحايا فاجعة فاس، مؤكد ا على مواقف الحزب الدائمة في إنصهار الحزب الدائم مع الوجدان الشعبي ومشاطراً المواطنين آلامهم في الظروف الصعبة.
وينتقل الحزب من هذا التضامن الإنساني إلى تحليل المكاسب الجيوسياسية الراهنة، حيث استعرض الأمين العام ملامح الانتصار التاريخي الذي يحققه المغرب تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في ملف الصحراء المغربية. حيث يشكل هذا النجاح الدبلوماسي ثمرة رؤية ملكية متبصرة نجحت في حصد اعترافات دولية واسعة بعدالة القضية الوطنية، مما يفرض على حزب الوسط الاجتماعي استحضار التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى ضرورة التعبئة الوطنية الشاملة لمواجهة المخططات التقسيمية. ويضع الحزب الانخراط في دعم الوحدة الوطنية على رأس أولوياته، عبر تعبئة كفاءاته للتصدي للمناورات الخصوم ومواكبة التحولات الكبرى لترسيخ السيادة المغربية كواقع ثابت لا رجعة فيه ، حيث يؤكد الحزب بأن الحنكة الدبلوماسية الملكية والتدخل المباشر لدى القوى الدولية الوازنة، سيما دائمة العضوية في مجلس الأمن، قد أحدثا اختراقاً تاريخياً طوى سنوات من النزاع المفتعل، بعدما غدا مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الخيار الاستراتيجي الوحيد الذي يحظى بمصداقية دولية كبرى، مما يرسخ سيادة المغرب الشاملة على كامل ترابه من طنجة إلى الكويرة.
تشكل هذه الدورة منعطفاً استراتيجياً لترسيخ الهوية السياسية لحزب الوسط الاجتماعي، الذي حافظ على استقلالية قراره وتوجهه الوسطي منذ تأسيسه في مطلع الثمانينات، حيث يطرح الحزب نفسه ككيلن وطني أصيل و كبديل سياسي يمتلك رصيداً نضالياً موثقاً تجاه ثوابت الأمة، ومشروعاً مجتمعياً ينسجم مع الرؤية الملكية المتبصرة لمغرب الجرأة والتمكين. ويتميز الحزب عن الكيانات الانتخابية الموسمية باستمرارية مؤسساتية ودينامية تنظيمية دامت أكثر من أربعة عقود، سخر خلالها إمكانياته لتأطير المواطنين وحماية المرجعية الوطنية من الأفكار المهددة للسلم الاجتماعي والوحدة المجتمعية.
ويرتكز المنهج السياسي والفكري للحزب على معايير النزاهة والترفع عن المكاسب الشخصية، باعتبار العمل السياسي وسيلة لخدمة الشأن العام بعيداً عن منطق الريع أو الاستفادة المادية الضيقة، إذ يظهر هذا الالتزام عبر تبني ممارسة ميدانية تعيد الاعتبار للعمل الحزبي المسؤول، وتؤسس لنموذج يربط المسؤولية بالمحاسبة ويجعل من نكران الذات قاعدة أساسية للعمل التنظيمي، مما يضمن الحفاظ على جوهر السياسة كفعل أخلاقي هادف لخدمة قضايا الوطن والمواطن.
وتعكس المواقف الرسمية للحزب اصطفافاً مبدئياً خلف القضايا الوطنية الكبرى وفي مقدمتها الوحدة الترابية للمملكة، معتبراً الدفاع عن السيادة الوطنية واجباً يتجاوز التوازنات السياسية العابرة، حيث يسعى الحزب عبر خطه الوسطي إلى تحصين الجبهة الداخلية من خلال تعزيز التماسك الاجتماعي والتمسك بالثوابت الجامعة. ويسهم هذا المسار في جعل الحزب مؤسسة سياسية فاعلة في الاستقرار الوطني، تلتزم بتطوير المسار الديمقراطي المغربي بناءً على أسس تاريخية واقعية وتطلعات مستقبلية طموحة.
وفي تشخيص عميق وجريء لواقع التدبير العام، توقف الأمين العام عند نتائج أشغال اللجان التحضيرية التي سهرت بمسؤولية وطنية على صياغة خارطة طريق سنة 2026، حيث أكد على لسان الحزب المواقف المسؤولة إتجاه المنظومة القانونية الانتخابية التي تحتاج لمراجعة جذرية. حيث يرى الحزب في نمط الاقتراع باللائحة عائقاً بنيوياً يحول دون وصول الكفاءات الشابة والأطر النزيهة إلى مراكز القرار، فاتحاً ثغرات استغلها أصحاب الثروات المشبوهة والباحثون عن الحصانة والجاه، مما أدى إلى “تنميط” النخب وإضعاف الرابط العضوي بين المنتخب وناخبه.
ومن هنا، يجدد الحزب مطلبه بالعودة إلى الاقتراع الفردي كضمانة حقيقية لتخليق الحياة السياسية، باعتباره آلية تضع المرشح تحت مجهر المحاسبة المباشرة والوجاهة الأخلاقية قبل السياسية. فالعودة لهذا النمط لتكون تغييرا تقنيا، بل هي موقف مسؤول و جريئ لإعادة الثقة للمؤسسات المنتخبة عبر قطع الطريق أمام “تجار الانتخابات” وناهبي المال العام الذين تكشفت فضائحهم و تضارب مصالحهم .
ولتعزيز هذا المسار الإصلاحي، يشدد الحزب على ضرورة تلازم التغيير الانتخابي مع تفعيل صارم لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وسنّ قوانين تقضي بالعزل الفوري لكل من ثبت تورطه في تضارب المصالح أو استغلال النفوذ. فالهدف الأسمى يظل ضمان صعود منتخبين تتقاطع إراداتهم حصراً مع تطلعات المغاربة في الكرامة و العدالة الاجتماعية ، وتحويل المجالس المنتخبة من فضاءات للترضيات و خدمة المصالح الضيقة إلى مختبرات لإنتاج الحلول التنموية المبتكرة التي تستجيب لانتظارات الشعب المغربي .
وعلى مستوى الاستشراف المستقبلي، يضع الحزب التواصل الميداني مع القواعد والشباب في صدارة أولوياته، معتبراً معركة التسجيل في اللوائح الانتخابية واجباً وطنياً وشرطاً لازماً لإحداث التغيير النوعي المنشود في استحقاقات 2026 و2027. ويواصل مناضلو الوسط الاجتماعي ملاحمهم النضالية عبر ربوع المملكة، مخترقين المسافات الوعرة والمتغيرات المناخية الصعبة لترسيخ الوعي السياسي وتعبئة المواطنين حول المشروع الوطني التنموي. وقد بلغت وتيرة الحماس ذروتها بإعلان الأمين العام عن عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني بمدينة الداخلة في شهر ماي المقبل، في رسالة سياسية بليغة تؤكد التحام الحزب مع عمق المملكة المغربية الصحراوي الأطلسي وتمسكه بشعار “الله الوطن الملك” كمنار يهدي مساراته النضالية القادمة.
بناءً على رؤية الاستشراف المستقبلي، يتبنى الحزب استراتيجية التواصل الميداني المباشر مع القواعد الشعبية وفئات الشباب، حيث تتركز الجهود التنظيمية حالياً على عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية باعتبارها المسار القانوني لإحداث التحول النوعي في استحقاقات 2026 و2027. ومن هذا المنطلق، يطرح الحزب نفسه بديلاً سياسياً يلتزم بالقيم الوسطية الاجتماعية، ساعياً نحو بناء مغرب الجرأة والتمكين عبر سياسات عمومية تمنح المبادرة للمواطن وتدعم الكفاءات الوطنية. كما تجسد تحركات المناضلين في مختلف الأقاليم هذا الالتزام، وذلك عبر نشر الوعي السياسي وتعبئة الطاقات حول المشروع التنموي الشامل، متجاوزين الشعارات النمطية والاعتبارات الظرفية أو المناخية التي تواجه العمل الميداني.
وفي سياق متصل، تأتي محطة انعقاد الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني بمدينة الداخلة خلال شهر ماي المقبل لتجسد هذا التوجه الاستراتيجي، من خلال ربط العمل الحزبي بالعمق الصحراوي الأطلسي للمملكة. وعليه، تحمل هذه الخطوة دلالات سياسية عميقة تعكس رغبة الحزب في ريادة المرحلة القادمة، استناداً إلى ثوابت الهوية الوطنية المتمثلة في شعار “الله الوطن الملك”. إذ يهدف هذا الحراك التنظيمي إلى ترسيخ نموذج سياسي يجمع بين الأصالة القيمية والنجاعة التدبيرية، الأمر الذي يضع الحزب في موقع القوة الاقتراحية القادرة على مواكبة الرهانات الكبرى للمغرب، وضمان مشاركة سياسية واعية تخدم التطور الديمقراطي والازدهار الاجتماعي المنشود.





