مجتمع

المغرب : من ذهب الملاعب إلى بياض المعاناة… مفارقة وطن بين الفرح والصقيع.

 

متابعة : عابد أموسى

 

بينما كانت الجماهير المغربية تتابع بشغف إنجازات المنتخب الوطني في قطر، وهو يحصد الذهب الأصفر الدافئ ويرسّخ طموحه المشروع في التتويج بـالذهب الإفريقي، كانت مناطق واسعة من الوطن تعيش على وقع مشهد مغاير تماماً، حيث كان أهل الحوز يحصدون الأبيض البارد؛ ثلوجاً قاسية، وبرداً قارصاً، ومعاناة يومية لا تعرف طريقها إلى منصات التتويج ولا شاشات الاحتفال.

 

إنها مفارقة تختزل التناقض الصارخ بين مغربٍ يفرح بانتصاراته الرياضية في المحافل الدولية، ويحتفي بصورة مشرقة عن ذاته في الخارج، ومغربٍ آخر في الداخل لا يزال يصارع قسوة الطبيعة وهشاشة البنيات وضعف الاستجابة في لحظات الشدة. فبين دفء الملاعب وأضواء البطولات، وصقيع الجبال وبياض الثلوج، تتسع المسافة الإنسانية أكثر مما ينبغي.

 

لا أحد يجادل في قيمة الفرح الجماعي الذي تصنعه كرة القدم، ولا في حق المغاربة في الاحتفال بإنجازات منتخبهم الذي أعاد الثقة والأمل ورفع الراية عالياً. غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: هل يمكن لهذا الفرح أن يكون شاملاً، أم سيظل محصوراً في الشاشات والمدرجات، بعيداً عن القرى المعزولة والدواوير المنسية؟

 

في الحوز، كما في مناطق جبلية أخرى، لا تعني الثلوج جمال الطبيعة بقدر ما تعني الانقطاع، والبرد، وتهديد الحياة اليومية، خاصة للفئات الهشة من مسنين وأطفال ونساء. هناك، لا يُقاس الزمن بعدد الأهداف ولا بصفارات النهاية، بل بعدد الليالي الباردة، وقلة الحطب، وصعوبة الوصول إلى العلاج والغذاء.

 

إن الربط بين هذين المشهدين ليس عبثاً ولا تهويلاً، بل هو دعوة صريحة إلى التفكير في معنى التنمية المتوازنة، وفي مسؤولية تحويل رمزية الانتصار الرياضي إلى فعل تضامني وإنساني ملموس. فالوطن الذي يفرح جميع أبنائه لفوز منتخبهم، هو نفسه الوطن الذي يجب أن يتقاسم أبناؤه الدفء والأمان والكرامة.

 

قد لا تذيب الأهداف الثلوج، لكنها قادرة على إذكاء روح التضامن، ودفع السياسات العمومية إلى التحرك بنفس الحماس الذي نطالب به اللاعبين في أرضية الملعب. فكما نطمح إلى ذهب إفريقيا، يطمح أهل الحوز إلى أبسط الحقوق: الدفء، والطريق، والعلاج، وحياة تليق بمواطنتهم.

 

بين ذهب الملاعب وبياض المعاناة، يظل الرهان الحقيقي هو أن لا يبقى الفرح امتيازاً، ولا يصبح الصقيع قدراً دائماً. ذلك هو التحدي الأكبر، وتلك هي البطولة التي ينتظرها المغرب في الداخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى