ربع قرن من حكم الملك محمد السادس والرؤية المستقبلية للمغرب
د. محمد القاسمي
عرف المغرب في عهد حكم جلالة الملك محمد السادس سلسلة مترابطة من الأوراش التنموية المستدامة، شملت مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية وغيرها من القطاعات الإنتاجية، تتوخى في جوهرها جعل المواطن المغربي ضمن الأولوية الكبرى في مسلسل الإصلاح الشامل، وإذا كانت مجالات الإصلاح والتنمية تمس قطاعات إنتاجية متنوعة، فإننا سنقتصر هنا على المبادرة الملكية الأطلسية باعتبارها مبادرة خلاقة تتوخى خلق قارة إفريقية جديدة قائمة على الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لجميع البلدان الإفريقية، وعلى جانب من النهضة التنموية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية والتي تطال ميادين ومجالات متعددة مثل قطاع التعليم والصحة والصناعة التقليدية والسياحة بهدف جعل جهات الصحراء المغربية أقطابا اقتصادية واعدة وجاذبة للاستثمارات الوطنية والدولية.
فعلى مستوى المبادرة الملكية الأطلسية فإنها تأتي في سياق التحولات الكبرى والمصيرية التي تعيشها القارة السمراء في أبعادها الجغرافية والاقتصادية و السياسية والاجتماعية والأمنية والبيئية والثقافية، كما تواجه القارة إشكالات عميقة وبنيوية، تفاقمها التغيرات المناخية وأزمة الغذاء، وفي هذا السياق تستمد المبادرة الملكية الأطلسية التي أعلن عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي أهميتها ومشروعيتها، كما تشكل إطارا متميزا للتعاون الإفريقي و يؤسس لميلاد إفريقيا جديدة، مزدهرة ومستقرة.
ويجمع كل المحللين السياسيين والاقتصاديين أن المبادرة الملكية الأطلسية، فرصة تاريخية لتوحيد جهود البلدان الإفريقية و مبادرة غير مسبوقة للتعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنسق الجهود من أجل ضمان تنمية القارة و ازدهارها واستقرارها وأمنها الاستراتيجي. ومن هنا تأتي أهمية هذه المبادرة باعتبارها فضاء لاستثمار كل المؤهلات الجغرافية والاستراتيجية التي تتمتع بها القارة، وفق مقاربة تشاركية تمكن دول الساحل من منفذ بحري على الواجهة الأطلسية المغربية وتؤسس لشراكة اقتصادية وتنمية بشرية مستدامة.
أما البعد الثاني الذي يميز مسيرة النماء والتطور في عهد جلالة الملك محمد السادس فهو الثورة التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية للمملكة من خلال إطلاق مجموعة من المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي من شأنها مواكبة متغيرات العهد الجديد و تنسجم مع المشروع الديمقراطي الحداثي المغربي، وتعزز تنمية الشراكة الاستراتيجية للمغرب، في بعدها الإفريقي، وعمقها الشرق أوسطي، ومجالها المتوسطي، وامتدادها الأوربي.
وفي مقدمة تلك المشاريع مشروع الطريق السريع تزنيت-الداخلة، وهو ورش ملكي هام يربط بين التنمية المحلية وتكريس البعد الإفريقي القاري والرؤية الملكية المتبصرة حول هذا المشروع الكبير الذي سيكون له وقع مباشر على ساكنة المناطق الجنوبية للمملكة من خلال تشجيع الاستثمارات العمومية والخاصة، والمساهمة في تطوير المقاولة الصغرى والكبرى، وإنعاش التشغيل، و تحسين مؤشرات السلامة الطرقية علاوة على ربط شمال المملكة بجنوبها، و المملكة المغربية بعمقه الإفريقي.
كما يعد مشروع ميناء الداخلة الأطلسي من بين أهم الأوراش الملكية الكبرى بالصحراء المغربية لكونه يمثل بعدا استراتيجيا في علاقة المغرب بالنسبة لإفريقيا والأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و الأمنية والبيئية بصفة عامة ،ولجهة الداخلة وادي الذهب بصفة خاصة؛ إذ سيسمح للجهة بدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية في جميع القطاعات الإنتاجية (الصيد البحري، الزراعة، التعدين، الطاقة، السياحة، التجارة، الصناعات التحويلية، إلخ). كما سيمكن من تزويد المنطقة ببنية تحتية حديثة ومتطورة، تسمح باستقطاب الفرص المستقبلية التي يوفرها قطاع النقل البحري على المستوى الدولي.
ويراهن المغرب، من خلال هذا الميناء الجديد، على جعل الواجهة الأطلسية بجنوب المملكة واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاعين القاري والدولي، موازاة مع ميناء طنجة المتوسط وانسجاما مع الرؤية الثاقبة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس المتمثلة في تعزيز حضور البعد الأطلسي في السياسة الخارجية المغربية عبر تسهيل ولوجيه بلدان الساحل إلى الواجهة الأطلسية.
ويشكل هذا المشروع الواعد ثورة تنموية حقيقية تخترق رمال الصحراء لتصنع المعجزات، ولترسل إشارات واضحة للعالم بأسره مفادها أن المستحيل ليس مغربيا، وأن قطار التنمية هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية الذي عمر طويلا بسبب تعنت أعداء الوطن الغارقين في وحل الأوهام والأحلام البعيدة المنال.