أي أفق للإصلاح البيداغوجي بكلية الآداب سايس فاس في ظل التدبير الحالي؟
شكل تجويد التكوين والتجديد البيداغوجي محورا أساسيا في الخطب الملكية السامية المرتبطة بإصلاح التعليم وفي كل مشاريع الوزارة لإصلاح منظومة التربية والتكوين، خاصة الخطة الاستراتيجية لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي 2030-2017 وكذلك تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، والنموذج التنموي الجديد. فهل كانت كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس في مستوى التجاوب و الانخراط المسؤول في هذه الدينامية الجديدة؟ وهل اتخذت مجموعة من التدابير العملية لتكون في مستوى التحديات الراهنة والمستقبلية؟ وهل تمكنت من تطوير التكوينات وتنويعها بما يتلاءم مع خصوصية جهة فاس مكناس؟
إن واقع الحال ينبئ بعدم تجاوب المؤسسة مع مستجدات الإصلاح التربوي ومتطلبات المرحلة، وعدم القدرة على الحفاظ على المكتسبات التي راكمتها الكلية لأكثر من ثلاثة عقود.
1 ــ على مستوى الإجازة
شهدت أعداد الطلبة المسجلين في سلك الإجازة بالمؤسسة استقرارا نسبيا في السنوات الأخيرة. فبعد أن عرفت الكلية تسجيل رقم قياسي ب 9132 برسم السنة الجامعية 2013-2014 انتقل العدد، بعد عشر سنوات، إلى 9762 فقط خلال الموسم الجامعي 2023 2024 ، رغم توفير البنيات التحتية والتجهيزات الضرورية، مما يطرح أكثر من سؤال حول أسباب هذه الظاهرة. فرغم توفر البنية التحتية المناسبة بسبب مجهودات الجامعة في هذا الصدد، فإن معدل التأطير بالكلية يتجاوز بكثير، في بعض المسالك، معدل التأطير في بعض المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح والمحددة في(88 طالبا لكل أستاذ و 193 طالبا لكل موظف إداري،). فعند تحليل نسبة التأطير بالمؤسسة، نقف على تفاوت كبير في معدل التأطير من مسلك لآخر. فقد بلغ معدل التأطير رقما مقلقا في بعض المسالك، إذ يبلغ 218 طالبا للأستاذ الواحد في مسلك علم الاجتماع و110 في الإنجليزية و102 في الدراسات الأمازيغية، في حين لا يتجاوز معدل 19 طالبا للأستاذ في مسلك الجغرافيا و 23 في التاريخ والحضارة . مما يستدعي تحليل هذه الظاهرة والتفكير في معالجة هذا التفاوت لمعدلات التأطير بين المسالك المعتمدة، من خلال وضع معايير شفافة وموضوعية في توزيع المناصب المالية، بعيدا عن المزاجية والمصالح الشخصية الضيقة، في أفق خلق توازن في معدل التأطير بين المسالك.
2 ــ على مستوى الماستر:
وعلى مستوى الدراسات العليا عرف سلك الماستر تراجعا ملموسا في عدد المسجلين بحوالي 70%، إذ تراجع العدد من 391 طالبة وطالب برسم السنة الجامعية 2018/2019 إلى 152 برسم السنة الجامعية 2020/2021 ليرتفع بعد ذلك إلى 362 برسم السنة الجامعية 2022/2023 بسبب تمديد مسالك الماستر المعتمدة بالكلية من طرف الوزارة الوصية. ليتراجع العدد مرة أخرى بشكل حاد بسبب انتهاء مدة اعتماد جل خلال السنتين الجامعيتبن 2023 و 2024، وإحجام السيدات والسادة الأساتذة على تقديم مشاريع جديدة، بسبب انعدام الشروط الموضوعية والأجواء المناسبة لذلك.
مع العلم أن جل المسالك المتبقية قد تم اعتمادها قبل 2018، وخضعت للتمديد مرة واحدة، ، وسينتهي مدة اعتماد سنة 2024. وتثير هذه الوضعية المقلقة تساؤلات كثيرة عن الأسباب الحقيقية وراء هذا العزوف، كما تسائل الإدارة عن الاستراتيجية المتبعة( إن وجدت) في الحفاظ على التكوين في سلك الماستر، باعتباره اللبنة الأولى من لبنات البحث العلمي الأكاديمي، التي تمكن من اختيار أجود الباحثين في سلك الدكتوراه، مما يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبل البحث العلمي في المؤسسة التي عرفت تخريج عدد كبير من الباحثين والعلماء والباحثين المتميزين في مختلف الحقول المعرفية.
أما من حيث عدد الطلبة الخريجين في سلك الماستر فقد عرف تراجعا حادا برسم السنة الجامعية 2021 ـ 2022 التي عرفت تخرج 26 طالبا فقط ، بسبب انتهاء مدة اعتماد بعض المسالك وعدم اقتراح مسالك جديدة. مما أثر سلبا على مسار تطور البحث العلمي داخل المؤسسة والجامعة.
ولا شك أن هذه الوضعية الشاذة و غير مسبوقة في اعتماد مسالك الماستر قد انعكس سلبا على البحث العلمي برمته داخل الكلية، فقد عرف مستوى سلك الدكتوراه تراجعا ملحوظا في عدد الأطاريح المناقشة بحوالي 50% في السنوات الأخيرة، حيث تراجعت مناقشة الأطروحات الجامعية من 115 أطروحة برسم السنة الجامعية 2019/2020 إلى 56 أطروحة فقط برسم السنة الجامعية 2020/2021 مما يطرح أكثر من علامة استفهام عن الأسباب الحقيقية لهذا التراجع غير المسبوق في تاريخ الكلية.
وأمام هذه الوضعية المقلقة، فإن المؤسسة في حاجة إلى مراجعة جذرية، مراجعة تجعل من جـودة التكوين والنهـوض بالبحـث العلمـي عنوانا رئيسيا لعملها ، لأنهما الكفيلان بتسـريع مسـار التنميـة في البلاد والدفـع بـه إلـى مصـاف الأمم ذات التنافسـية المسـتدامة، وإلـى انبثـاق مجتمـع مبتكـر ومندمـج ومنفتح على اقتصـاد المعرفـة.