مجتمع

​حكم بالإعدام في تونس بسبب منشورات على فيسبوك: النقد السياسي لا يساوي الموت

متابعة  : كمال قابل

 

​أثار حكم قضائي بالإعدام صدر مؤخراً في تونس ضد المواطن صابر شوشان (يُذكر أنه عامل يبلغ من العمر 51 أو 56 عاماً) صدمة واسعة وجدلاً حقوقياً وسياسياً كبيراً. وجاء هذا الحكم القاسي نتيجة منشورات على موقع فيسبوك انتقد فيها الرئيس التونسي قيس سعيد والأوضاع العامة في الدولة.

​وقد أدانت المحكمة المتهم بتهم خطيرة، منها “إهانة الرئيس” و**”الاعتداء على أمن الدولة”** و**”محاولة قلب نظام الحكم”**. واستندت في تطبيقها للعقوبة القصوى إلى الفصل 72 من المجلة الجزائية والمرسوم 54 المتعلق بالجرائم الإلكترونية.

​إن وصول عقوبة التعبير عن الرأي إلى درجة الحكم بالإعدام هو أمر صادم وغير مقبول دولياً، ويمثل انتكاسة خطيرة للمكتسبات الديمقراطية وحقوق الإنسان. فمن المفهوم عالمياً أن الانتقاد السلمي للسلطات أو لرئيس الدولة، مهما كان لاذعاً أو قاسياً، هو جوهر الممارسة الديمقراطية ودرع أساسي لحماية الحريات.

​حتى لو افترضنا جدلاً أن المواطن قد بالغ في نقده ووصل به الأمر إلى حد السب أو الشتم – وهي نقطة لم يتم تأكيد طبيعتها بشكل كامل، حيث أشار محاميه إلى أنه شخص عادي محدود التعليم “يكتب ويعيد نشر منشورات تنتقد الرئيس” – فإن فعل السب أو الإهانة يظل جريمة قول لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى مستوى الجرائم العنيفة التي تستوجب عقوبة الإعدام.

​إن الاعتداء اللفظي لا يمكن أن يُعامل قانونياً كـ”اعتداء على أمن الدولة” أو محاولة لقلب نظام الحكم، والتي تتطلب أفعالاً مادية وعنفاً يستهدف كيان الدولة. إن مجرد الكلام، حتى لو كان بذيئاً أو مسيئاً، لا يعبر إلا عن صاحبه وغضبه، ولا يبرر نزع حق الفرد في الحياة. إن تجريم النقد السياسي بهذه الشدة هو تهديد مباشر لحرية التعبير ويهدف إلى تكميم الأفواه وبث الخوف في نفوس المواطنين لمنع أي مساءلة أو معارضة. هذا الإجراء يرسخ مناخاً من الترهيب ويقوّض مبدأ استقلالية القضاء.

​وقد سارعت هيئة الدفاع إلى إعلان الاستئناف الفوري للحكم، مشيرين إلى أن القرار يمثل تراجعاً خطيراً في مجال الحريات وحقوق الإنسان في تونس. ورغم أن المحاكم التونسية تصدر بين الحين والآخر أحكاماً بالإعدام، إلا أن تنفيذ هذه العقوبة معلق فعلياً في البلاد منذ عام 1991.

​ويأتي هذا الحادث في سياق انتقادات متزايدة توجه للسلطات التونسية من قبل منظمات دولية ومحلية بشأن ما يعتبرونه تآكلاً في استقلالية القضاء وتضييقاً على الحريات وحرية التعبير منذ سيطرة الرئيس قيس سعيد على معظم السلطات في عام 2021. وعلى الرغم من نفي الرئيس سعيد المتكرر لهذه الاتهامات وتأكيده على أن الحريات مضمونة، فإن الأحكام الأخيرة تزيد من حدة الجدل حول المسار الحقوقي والسياسي في تونس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى