الأحزاب السياسية بالمغرب بين التنظير والتأطير: أزمة ثقة ومسؤولية مؤجلة

✍️ بقلم: بوهنان هشام
في زمن يتسم بتسارع التحولات الاجتماعية والاقتصادية، تظل الأحزاب السياسية في المغرب متأرجحة بين خطاب نظري يتكرر في كل موسم انتخابي، وغياب فعلي في الميدان حيث ينتظرها المواطنون الحقيقيون، في القرى كما في المدن، في الأحياء الشعبية كما في الجامعات والمراكز الثقافية.
لقد أولى دستور 2011 أهمية قصوى للأحزاب السياسية، من خلال التنصيص على دورها في تأطير المواطنات والمواطنين، والمساهمة في تعزيز وعيهم السياسي، وتمكينهم من الانخراط الواعي في الحياة العامة. غير أن هذا النص الدستوري، على أهميته، لا يبدو أنه وجد ترجمته الكاملة على مستوى الممارسة، حيث يلاحظ أن التأطير الحزبي شبه غائب، إن لم يكن منعدما في جل المناطق.
في مقابل هذا الغياب، تغرق الساحة السياسية في خطابات مؤدلجة أو انتخابية، تعيد إنتاج نفس المفاهيم والوعود، دون أن تلامس أولويات المواطن أو تعكس حاجياته اليومية. فنجد أحزابا تتحدث عن “محاربة البطالة”، و”تجويد التعليم”، و”النهوض بالصحة”، لكنها في الواقع تفتقر إلى آليات العمل الواقعي، وتظل أسيرة التنظير وتكرار الشعارات، في غياب رؤية واضحة، أو إرادة سياسية حقيقية.
هذا الواقع ساهم في اتساع فجوة الثقة بين المواطن والأحزاب، وأدى إلى عزوف سياسي مقلق، تجلى في نسب المشاركة المتدنية، خاصة لدى فئة الشباب، التي تمثل القوة الحية والاحتياط الاستراتيجي لأي مشروع إصلاحي أو تنموي. ولعل أبرز ما يعبر عن هذا الوضع هو غياب النقاش العمومي الحزبي الجاد، وضعف التكوين السياسي داخل الهياكل التنظيمية، وتراجع الوعي العام بأهمية الانخراط في العمل الحزبي كممارسة مدنية راقية.
إن الأحزاب مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في أدوارها ووظائفها، وتجاوز منطق الخطاب المناسباتي، والانخراط الفعلي في خدمة المواطن عبر القرب والتأطير والمواكبة. كما أن المطلوب هو تجديد النخب، وضخ دماء جديدة داخل الهياكل التنظيمية، والانفتاح على الكفاءات الشابة والنسائية، من أجل بناء علاقة ثقة متبادلة، تعيد للمواطن الإحساس بالانتماء إلى مشروع سياسي جماعي.
إن مستقبل العمل السياسي بالمغرب لن يبنى على الشعارات، بل على الصدق في الخطاب، والواقعية في البرامج، والالتزام في التنفيذ. أما الأحزاب التي تكتفي بالتنظير وتغيب عن التأطير، فإنها تدفع بنفسها نحو الهامش، وتفرغ العمل السياسي من مضمونه الحقيقي.