ابن جرير … جيران مؤقتين لمشروع أبدي

ابن جرير ليست مدينة واحدة. إنها مدينتان، بل عالمان لا يلتقيان إلا صدفة:
مدينة أولى قديمة، مهمّشة، تتنفس الغبار وتغرق في البطالة وقلة الحيلة،
ومدينة ثانية، فارهة، جامعية، مصقولة بالتقنيات الحديثة، محروسة، محصنة، وموصولة مباشرة بأجندة العالم الجديد.
في الأولى، شباب يطرقون أبواب الاوراش ، يملؤون طلبات العمل، ينتظرون وعدا من الباشا، ويقتسمون لفافات الحشيش.
وفي الثانية، يبرمج الذكاء الاصطناعي، ويصنع الهيدروجين الأخضر، وتطبخ السياسات العمومية من فوق، لتهبط إلى الأسفل في شكل بلاغات وشعارات.
في الأولى، النساء يسابقن الزمن لإنقاذ ما تبقى من ماء البئر أو لمسة خبز كريم.
وفي الثانية، تناقش النخب استراتيجيات “التثمين المجالي”بقاعات مكيّفة لا يذكر بها اسم حي واحد من أحياء المدينة الحقيقية.
ما بين ابن جرير الواقع وابن جرير “البراند”، واد سحيق من النفاق المؤسساتي، والمجالس المنتخبة لا تملك حتى سلطة تبليط زنقة دون إذن من “الوصاية”.
رئيس الحكومة يزور المدينة، لا ليفتتح سوقا شعبيا أو مدرسة نائية، بل ليشهد على مناظرة محكمة التنظيم، مغلقة على مجتمع مغلوب.
يا سادة،
الاقتصاد التضامني الذي يتغنون به في المؤتمرات ليس سوى اعتراف ضمني بأن الاقتصاد الحقيقي فشل في احتواء الناس.
والجهوية التي صدّعوا رؤوسنا بها لم تكن إلا ديكورا دستوريا يزين خطاب المركز.
ابن جرير، التي يفتخرون بأنها مدينة المستقبل، تحتاج أولًا أن تكون مدينة الحاضر.
مدينة تسع أبناءها، وتمنحهم الحد الأدنى من الحياة، لا فقط مقاعد المتفرجين على مؤتمرات “التفكير في الفقراء”.
لقد أنهكت المدينة القديمة من الانتظار، فيما تواصل الجامعة بناء طابق آخر من المجد، بمفاتيح خارجية، وباب موصد أمام أبنائها.نختم هذا المقال بنداء موجه إلى الوفد الرسمي الزائر، وعلى رأسه رئيس الحكومة، بأن لا تقتصر زيارتهم على أروقة الجامعة وحدها، بل أن يُكملوا جولتهم نحو الأحياء الشعبية، ويصغوا لصوت الناس الذين يتشاركون المدينة لكن لا يتشاركون نفس الحظوظ.
ابن جرير لا تحتاج فقط إلى صور لافتة في وسائل الإعلام، بل إلى قرارات جريئة تعيد التوازن، وتمنح أبناءها أملا في الغد.