عندما يتحول الفضاء الرقمي إلى أداة ابتزاز عابرة للحدود

متابعة: جمال الاشهب
في ظل التوسع الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي، وحرية التعبير التي كفلها دستور المملكة، ظهرت صفحات تدّعي “فضح الفساد” و”إيصال صوت المظلومين”، غير أن بعضها لم يكن سوى واجهة لأجندات شخصية وأدوات ابتزاز ممنهجة، تحول فيها “النضال الافتراضي” إلى تجارة مربحة واستهدافات انتقائية.
من بين هذه الصفحات، تبرز صفحة “الفرشة” التي يديرها المدعو عبد المجيد التونارتي، المقيم بكندا، والذي استغل موقعه خارج أرض الوطن لتحويل صفحته إلى وسيلة لترهيب المغاربة، عبر حملات تشهير وقذف وابتزاز ممنهجة، لم يسلم منها أحد، لا مواطنون بسطاء ولا مسؤولون، بل حتى رموز الدولة لم تنج من لسانه، وفي مقدمتهم عاهل البلاد.
صفحة “الفرشة” ليست منصة إعلامية، ولا تمت لأخلاقيات الصحافة بصلة. لا احترام فيها لمبدأ التوازن، ولا تثبت للمعلومة، ولا حتى حدود في اللغة. كل من يرفض الرضوخ للابتزاز يصنّف “فاسدا”، “خائنا”، أو “مجرما”، بينما يغض الطرف عن كل من يدفع أو يتواطأ.
ويؤكد العديد من المتابعين والضحايا أن الفرشة لا يتحرك إلا وفق منطق المقابل المالي أو التصفية الشخصية. ولهذا، لا غرابة أن يتحول إلى ما يشبه “قوة ضغط رقمية” تمارس عن بعد، مستفيدا من هشاشة المنظومة الرقمية المغربية أمام هذا النوع من الجرائم العابرة للحدود.
– إقبال بوفوس.. ضحية صمدت وكشفت المستور
من بين مئات الأسماء التي طالتها سهام التشهير والابتزاز، تبرز إقبال بوفوس كنموذج نسائي استثنائي في زمن الصمت. لم تكن سياسية، ولا صحافية، ولا مدعومة من أي جهة، بل مواطنة مغربية بسيطة قررت أن تقول: “كفى”.
إقبال كانت إحدى أبرز ضحايا “الفرشة”، حيث طالها السب، الشتم، القذف، والتشهير الممنهج، وامتد الاستهداف حتى إلى والدها الراحل، رحمة الله عليه، في مشهد مروع لانحدار الخطاب الأخلاقي، وتجاوز كل القيم الإنسانية.
ورغم حجم الهجوم، اختارت إقبال المواجهة، مسلحة بالأدلة والحجج، غير آبهة بالضغوط، ورافضة للابتزاز. بل تمكنت من أن تُوقف هذه الصفحة عند حدها، وفضحت أساليبها وتحركاتها، في وقت لم يجرؤ فيه كثيرون على ذلك رغم مكانتهم ونفوذهم.
ولم تكتف بذلك، بل استطاعت فضح عدد من المخبرين والسماسرة الذين كانوا يشتغلون كأذرع للفرشة داخل المغرب، بعضهم تقدم للعدالة، فيما لا يزال البعض الآخر طليقًا، في انتظار أن تطاله يد القانون.
الرد كان شرساً: حيث أجبر التونارتي عدداً من هؤلاء السماسرة على تقديم شكايات كيدية ضد إقبال بوفوس، في محاولة لتوريطها قانونياً، بالتوازي مع محاولات ضغط خطيرة على القضاة، وصلت حد ابتزازهم، وتهديدهم، وتلفيق تهم بالفساد ضدهم، من أجل التأثير على قراراتهم وإصدار أحكام قاسية ضدها.
وفي ذروة حملات التشهير، تعرضت بوفوس لحملة إلكترونية دنيئة وصلت إلى حد فبركة صور خادشة للحياء، ونشرها لتدمير صورتها أمام الرأي العام، وخلق تصور وهمي عنها. ورغم كل ذلك، ظلت صامدة، مؤمنة بعدالة قضيتها.
الخطير في الأمر أن الفرشة لم يكتفِ باستهداف الأفراد، بل هدد النظام المغربي بشكل مباشر في مناسبات عدة، ولم يسلم حتى جلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه من تطاولاته، في تطور خطير يكشف الأجندة الحقيقية لهذا المشروع الرقمي المشبوه.
– شبكة ممتدة من المخبرين والوسطاء
“الفرشة” ليست مجرد صفحة، بل تمثل رأس شبكة ممتدة تعتمد على وسطاء ومخبرين داخل المغرب، مهمتهم جمع المعلومات عن الأشخاص المستهدفين، سواء عبر التسريبات أو التضليل أو تركيب الوقائع. في المقابل، يحصل هؤلاء على امتيازات داخل الصفحة أو مقابل مادي، مما يجعلهم شركاء مباشرين في الابتزاز والتشهير.
هذه الشبكة تشكل خطراً حقيقياً في ظل غياب ردع قانوني فعّال، وتطرح تساؤلات حول دور الدولة في تأمين الحماية الرقمية للمواطنين.
– أبعد من مجرد صراع
ما يجري اليوم ليس نزاعاً شخصياً بين مواطنة وصفحة مشبوهة، بل هو تهديد مباشر لقيم العدالة، وكرامة المواطنين، وثقة الناس في مؤسسات الدولة. هو تلاعب خطير بحرية التعبير، وتحويلها إلى غطاء لممارسات إجرامية وتصفية حسابات سياسية أو شخصية.
نحن مع حرية الرأي، ومع الصحافة الجادة والملتزمة، لكننا ضد من يستغل هذا الفضاء لزرع الخوف، وبث الفتنة، واستهداف الأبرياء.
تفعيل القوانين الخاصة بالجرائم الإلكترونية، وخصوصاً العابرة للحدود؛
حماية ضحايا التشهير والابتزاز الرقمي، وتوفير آليات إنصاف عاجلة وفعالة؛
محاسبة كل من يشتغل كذراع رقمي للابتزاز أو يعمل على تغذية هذه الشبكات بالمعلومات الكاذبة؛
دعم الأصوات الحرة والشجاعة مثل إقبال بوفوس، التي قررت أن تواجه وحدها، وأن تصمد حين اختار الآخرون الصمت.
إن اسم إقبال بوفوس يجب أن يُكتب في سجل الشجاعة الرقمية، لا لأنها فقط واجهت العاصفة، بل لأنها فعلت ما لم يفعله كثيرون رغم قوتهم، لأنها رفعت رأسها وقالت لا، لأنها رفضت السكوت عن الظلم، وانتزعت البراءة رغم كل الضغوط.
#المغرب_بخير، لأن فيه نساء مثل إقبال بوفوس.
#المغرب_بخير، لأن صوت الحق لا يهزم مهما علا ضجيج الزيف.