في مراكش: الفستان تهمة، والابتسامة دليل إدانة

بقلم : عادل ايت بوعزة
الصورة التكميلية مصممة بتطبيق (ذكاء صناعي)
أكتب هذه الكلمات من قلب مدينة أحبها كما يُحب الإنسان بيته الأول. مراكش ليست فقط مدينة سياحية أو بطاقة بريدية تُغري الزوار من العالم، بل هي روح، تاريخ، حياة يومية تمشي على الأرصفة، وتتنفس في المقاهي، وتضحك بصوت عالٍ في زوايا الساحات القديمة.
و من حبي لهذه المدينة اتنفس !
و من عشقي لهذه المدينة اتحرك !
لكن ما الذي يحدث لمراكش طوال الاشهر العشرة الماضية؟لماذا تحوّلت إلى “خشبة مسرح” لحملات أمنية صارمة، تُنقل فيها فتيات من المقاهي والمطاعم و الملاهي إلى مخافر الشرطة بتهم ثقيلة مثل “الإخلال العلني بالحياء” أو “التحريض على الدعارة”، وكأننا في زمن مطاردات أخلاقية لا في مدينة تعيش من الانفتاح والتسامح وروح الضيافة؟
اي نعم ، الجميع بمن فيهم انا ضد الدعارة، وضد تسليع الجسد، وضد كل ما يُشوّه صورة المغرب ويختزل السياحة في أجساد معروضة للمساومة. لكنني في الوقت نفسه، ضد أن تُختزل العدالة في اصطياد فتاة ترتدي ما تريده وتمشي في شارع عمومي.
ضد أن يُربك سائح خرج لتناول فنجان قهوة بسبب مشاهد إيقاف الفتيات في الشارع العام :” ااااا شريفة اري لاكارط ” .
والأخطر من ذلك، أن هذه الصورة السلبية بدأت تُلقي بظلالها الثقيلة على القطاع السياحي.فالمدينة، ولأول مرة منذ سنوات، تعرف هذا الصيف ركودًا غير مسبوق، حيث يشكو المهنيون من الفنادق الفارغة، والمطاعم التي بالكاد تغطي مصاريفها، والمرشدون السياحيون الذين صاروا بلا عمل.فهل نبحث حقًا عن الأسباب الحقيقية لهذا الكساد؟أم نكتفي بإلقاء اللوم على الأسعار والظروف الدولية، دون أن نلتفت إلى الرسائل الخاطئة التي تبعثها هذه الحملات الصاخبة، والتي تُربك الزائر بدل أن تطمئنه؟
ثم دعونا نسأل بصراحة: ما هي المعايير التي تجعل فتاة “محل شبهة”؟هل هناك مرسوم منشور في الجريدة الرسمية يحدد طول الفستان أو درجة أحمر الشفاه أو عدد الضحكات في الدقيقة؟هل أصبحنا نُحاسب النساء على المظهر، بدل الفعل؟وما الفرق بين هذه الممارسات، وبين ما كانت تقوم به “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في السعودية، والتي تم تفكيكها رسميًا بعدما أدرك حتى النظام الوهابي أنها لم تعد صالحة لعصرنا ولا لمجتمع تعددي؟
ما يُؤلمني حقًا هو هذا التناقض الفجّ: في مراكش فقط، تُروَّج أخبار الحملات وكأن المدينة خارجة لتوّها من فوضى أخلاقية، بينما في مدن أخرى، لا يحدث شيء، أو لنقل: لا يُراد له أن يُرى.الملاهي المعروفة بسمعتها السيئة لا يمسّها أحد، بينما تُستهدف الفضاءات المفتوحة، فقط لأن الصورة أوضح، والحدث قابل للنقل.
ثم لماذا مراكش؟لماذا لا تُعمم الحملات على باقي المدن بنفس الحماس؟ أم أن مراكش صارت “الوجهة الأسهل” لإظهار الانضباط، حتى ولو كان الثمن هو صورة مشوشة تُربك السياحة وتشوه سمعة المدينة في أعين العالم؟
نحتاج اليوم إلى سياسة عاقلة، توازن بين حفظ القيم، وضمان حرية الأفراد، واستقرار النشاط الاقتصادي.فمن غير المقبول أن تُعاقب مدينة بأكملها — بفنادقها ومطاعمها وشغّالها وسائقي طاكسياتها — فقط لأننا لا نريد الاعتراف أن الخلل في المقاربة، لا في اللباس.
مراكش أكبر من هذه المشاهد.
وأجمل من أن تُدار هكذا.