صرخة أمام السويسي”.. شهادة تُمنح ولا تُأكَل

أمام بوابة مستشفى “السويسي” بالعاصمة الرباط، دوّى صوت مواطن مغربي بكلمات صادقة، حزينة، ومُوجعة. لم تكن تلك الصرخة الأولى من نوعها، لكنها كانت أكثر من مجرد احتجاج فردي. كانت لسان حال آلاف من الشباب المغاربة الذين كُتب عليهم أن يعيشوا على هامش الحياة، رغم أنهم حملوا أعلى الشهادات.
“عندي دكتوراه، ماجستير، 4 ديبلومات وباكالوريا، وحتى كتب ولوازم دراسية ديال ولادي باقي ما شريتهمش.. علاش غانخلص؟ ياك هذا مستشفى عمومي!”
هكذا تفجّر المواطن المجهول الاسم، المعروف بالوجع، في وجه موظفي مستشفى عمومي طلبوا منه أداء مبلغ مالي مقابل شهادة ميلاد لابنه. صرخته ليست فقط ضد الإدارة، بل ضد نظام اجتماعي واقتصادي يخذل أبناءه في لحظة الحقيقة.
الواقع المغربي اليوم يكشف عن مفارقة قاسية: آلاف الشباب حاصلون على شهادات عليا (دكتوراه، ماجستير، مهندسة، إجازة…)، لكنهم يعيشون في البطالة أو يشتغلون في مهن هامشية لا تضمن لا كرامة ولا عيشًا كريمًا.
التعليم، الذي كان في وقت ما هو السلم الاجتماعي نحو حياة أفضل، تحوّل إلى طريق مسدود. الطريق الذي يبدأ بالحماس والطموح، وينتهي بالإحباط والشك وحتى الحزن العميق.
احتجاج المواطن لم يكن فقط على المبلغ المطلوب، بل على المبدأ: كيف لمواطن لا يجد ما يطعم به أبناءه أن يُطلب منه دفع مقابل وثيقة رسمية في مستشفى من المفروض أن يكون في خدمة المواطنين، وخاصة الأكثر هشاشة؟
المشكل يتجاوز هذه الحالة الفردية، ويطرح سؤالًا أكبر حول دور الخدمات العمومية في ضمان العدالة الاجتماعية والكرامة للمواطنين.
هذه الحادثة تختزل معاناة شريحة اجتماعية متزايدة: المعطلين حاملي الشهادات. شباب قضوا أجمل سنين عمرهم في الدراسة، ليجدوا أنفسهم عرضة للتهميش، الإقصاء، واليأس.
ورغم الاحتجاجات، الوقفات، والنداءات، لا تزال الحلول غائبة أو غير كافية. التشغيل لا يواكب عدد الخريجين، وسوق الشغل يعاني من اختلالات هيكلية. في المقابل، يستمر النزيف نحو الخارج، حيث بات حلم الهجرة يراود كل شاب فقد الأمل في بلاده.
صرخة هذا المواطن، مهما كانت بسيطة أو عفوية، يجب أن تُسمع. فهي لا تمثل فقط حالة فردية، بل صرخة مجتمع يعيش حالة من القلق الوجودي: ما قيمة الشهادة إن لم توصل إلى عمل؟ ما معنى أن تكون مواطنًا إن لم تجد من يخدمك في لحظة ضعفك؟
إذا لم تتحرك الدولة، وتُعِد الاعتبار لحاملي الشهادات، وتُصلح أعطاب الخدمات العمومية، فقد تتكرّر هذه الصرخة في كل شارع، أمام كل إدارة، وربما بشكل أكثر غضبًا.