”معركة القفازات الرقمية”: عندما يتحول فوز تيك توك إلى قضية وطنية… ما السر؟

متابعة : كمال قابل
شهدت منصات التواصل الاجتماعي، وموريتانيا على وجه الخصوص، حالة من التفاعل الهستيري وغير المسبوق عقب فوز المؤثر غيث الموريتاني على نظيره المغربي في منافسة على تطبيق تيك توك. ما كان يمكن أن يمر كحدث عابر في فضاء افتراضي تحول إلى احتفالات صاخبة في الشوارع، وتباينت التفسيرات حول دوافع هذا التضخيم. فهل هو مجرد تعبير عفوي عن الفرح، أم أنه يحمل أبعادًا أعمق تتعلق بـ الإحساس بالنقص أو حتى توظيف الخلافات بين البلدين الشقيقين؟
التضخيم غير المعتاد: من شاشة الهاتف إلى الشارع
الحدث في جوهره هو منافسة “تيك توكية” تعتمد على دعم المتابعين بالهدايا الافتراضية. عادةً، لا تتجاوز مثل هذه الأحداث نطاقها الافتراضي. لكن ما حدث في موريتانيا كان مختلفًا؛ فقد تجاوزت الاحتفالات الشاشات لتصل إلى الشارع، ما يعكس مدى تعلّق الجمهور بهوية المؤثر وارتباط هذا الفوز بالهوية الوطنية. هذا التضخيم يفتح الباب أمام ثلاثة تساؤلات رئيسية:
أحد التفسيرات المتداولة هو أن هذه الاحتفالات تمثل تنفيسًا عن إحساس عام بالنقص أو غياب الإنجازات الكبرى التي يمكن للشعب أن يحتفل بها. في غياب “نصر” رياضي أو اقتصادي أو سياسي بارز وموحد للوجدان الشعبي، يصبح أي فوز فردي ذو صبغة وطنية، حتى لو كان على منصة ترفيهية، بمثابة متنفس جماعي وطريقة لإثبات الوجود على الساحة الإقليمية، خاصة في مواجهة دولة كالمغرب التي تتمتع بحضور إعلامي وثقافي ورياضي قوي. هذا التفسير يرى في الاحتفال تعويضًا سيكولوجيًا عن العطش للإنجاز.
تتساءل بعض التحليلات عما إذا كانت هناك جهات، أو حتى مؤثرون أنفسهم، قد قاموا بتسييس المنافسة وتوظيفها لإثارة أو استغلال أي توترات كامنة بين الشعبين. عندما يتحول الفوز الفردي إلى “معركة وطنية” ضد “الآخر”، فإنه يخدم أجندة إذكاء الحساسيات والنعرات الإقليمية، حتى لو كانت هذه الأجندة لا تتعدى رغبة المؤثر في زيادة عدد المشاهدات والدعم المالي عبر استغلال الحماسة الوطنية. في هذه الحالة، يتحول الفوز إلى وقود لـ نزع الاحقاد وتكريس صورة “المنافس” بدلاً من “الشقيق”.
من زاوية أخرى، يمكن النظر إلى الاحتفال على أنه مجرد حماسة شبابية خالصة تعكس قوة المؤثرين الجدد في تشكيل الوجدان العام. المؤثرون، وأبطال التيك توك تحديدًا، هم أبطال الجيل الرقمي. الفوز بالنسبة للشباب لا يعني بالضرورة فوزاً على المغرب كدولة، بل انتصار للرمز الموريتاني الذي يمثلهم في ساحة التنافس العالمية أو الإقليمية. هو إثبات أن “لدينا بطلنا” الذي يتفوق، وهو احتفال بعصر التكنولوجيا الذي مكنهم من صناعة بطل محلي يتفوق على منافس إقليمي مشهور.
الخلاصة: عفوية مختلطة بفرص التوظيف
من المرجح أن تكون الحقيقة مزيجًا من كل هذه العوامل. ربما بدأ الأمر بعفوية كاحتفال بسيط لـ غيث الموريتاني وجماهيره، لكن حالة العطش للإنجاز لدى الشباب وتوفر الأرضية الخصبة للحساسيات بين الدولتين ساهمت في تضخيمه على نحو استثنائي. الاحتفال يعكس بوضوح أن الحدود بين الفضاء الافتراضي والواقع أصبحت هشة، وأن التنافس الترفيهي يمكن أن يرتدي سريعًا ثوب الهوية الوطنية ليصبح ساحة لتفريغ الطاقات أو توجيه العواطف.