الأحزاب السياسية بين الجنرالات والجنود: معركة التنمية كاختبار حقيقي

بقلم : الدكتور جمال العزيز
في العديد من الأحزاب السياسية، تبدو البنية التنظيمية وكأنها هرم مقلوب: الأغلبية جنرالات، والأقلية جنود. جنرالات السياسة يتقاطرون على مواقع القرار والمناصب، بينما يتحمل الجنود على قلتهم عبء التواصل الميداني، ومواجهة الواقع، وبناء الثقة مع المواطن. هذا الإنقسام يطرح سؤالا جوهريا: هل السياسة مجرد موقع للسلطة أم التزام حقيقي بخدمة الوطن والمجتمع؟
معركة التنمية لا تقاس بالخطابات الرنانة أو الحروب الكلامية، بل بمدى انخراط الجنود السياسيين في الشارع، وقدرتهم على تبني نهج القرب والتواصل الميداني. المواطن يحتاج لمن ينصت له، لمن يترجم السياسات العمومية إلى حلول ملموسة، وليس لمن يقفز من السفينة عند أول عاصفة أو امتيازات جديدة. هؤلاء الجنود هم من يثبت قوة الحزب وفعاليته، وهم العامل الحاسم في أي تجربة سياسية ناجحة.
السياسة ليست لعبة ألقاب أو سلطة وهمية، بل هي التزام وأخلاق وكلمة. من يعتمد على مصالحه الشخصية أو على المناورات اللحظية لن ينال الثقة، مهما كان مركزه. من يعتقد أن الغلبة تأتي بشراء الذمم أو المناورات في آخر لحظة، سيكتشف سريعا أن الزمن السياسي الجديد في المغرب يرفض هذا النهج. الوضوح ،المصداقية، وتنزيل البرامج الإنتخابية هو سبيل الإستدامة والنجاح.
المغرب اليوم مغرب صاعد، تقوده رؤية ملكية متبصرة، ويشهد نموا هادئا ومتوازنا. لم يعد ممكنا لمن يعتمد على أساليب قديمة أن يفرض سيطرته أو يحظى بالقبول الشعبي والسياسي. الشارع واع، المواطن متابع، والحزب الذي لا يثبت جدارته بالعمل الجاد والميداني لن يتم تزكيته من المواطنين مهما كانت نفوذه الوهمية .
المستقبل السياسي الحقيقي يبنى على التفاعل مع المجتمع، وابتكار حلول التنمية. الحزب الذي يقدر الجنود، يستثمر طاقاتهم، ويجعل من التواصل الميداني سياسة استراتيجية، هو من سيكون الفاعل الرئيسي في صياغة السياسات العمومية في المستقبل القريب. أما من يعتمد على تأثيث المشهد وتكريس الإنقسامات الداخلية والإمتيازات الموروثة والكذب ، فمصيره واضح.
إن المغرب يدخل مرحلة جديدة، الغلبة الحقيقية فيه ليست للأنا أو ذوي الإمتيازات الموروثة ، بل لمن يثبت التزامه، ويعمل بأخلاق، ويؤمن بالقرب من المواطن. انتهى زمن أحزاب تبحث عن ناخبين عابرين، بل أصبح زمن مواطنين يبحثون عمن يستحق أن يمنحوه تزكيتهم. التزكية هنا لا تطلب ولا تمنح عبر الولاءات الظرفية، بل تكتسب بالعمل الجاد، وبالقدرة على الإنصات، وبالشفافية، وبالوفاء الصادق للرؤية الملكية المتبصرة .
في هذا السياق الجديد، ليست المؤسسات الحزبية من تمنح الشرعية، بل المواطنون نفسهم، الذين صاروا أكثر وعيا وأكثر مطالبة بجودة الفعل السياسي. ومن يفهم منطق المرحلة سيعلم أن الشرعية اليوم تبنى من الأسفل إلى الأعلى، من الميدان وثقة المواطنين؛ إلى المؤسسات المنتخَبَة، لا العكس.




