المركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب يصدر بيان تزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
يخلد المركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب اليوم العالمي لحقوق الإنسان، في العاشر من دجنبر من كل سنة، الذي يتزامن مع الذكرى 75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ على وقع إنتهاكات فظيعة تقترفها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع العالم، حيث يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، خلفت نحو 17 ألفا و997 شهيدا، و49 ألفا و229 جريحا معظمهم أطفال ونساء، مما شكل دمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وهي حرب تمارس فيها أفظع عمليات الإبادة في حق الشعب الفسطيني بقطاع غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي مما يعتبر إنتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني في ظل صمت عربي وغطاء دولي غربي ممنهج.
فعلى الصعيد العالمي فالحركات الحقوقية والديمقراطية في العالم سجلت وتسجل مرة أخرى، المنحى التراجعي للمكاسب البشرية في مجال حقوق الإنسان؛ والمتمثل في الهيمنة المطلقة المتنامي لدى الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، نحو ضرب وتقويض الشرعية الدولية وانتهاك القانون الدولي الإنساني، والدفاع العلني عن الافلات من العقاب في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وحماية الأنظمة الاستبدادية الموالية لها، والاعتماد بشكل مباشر على التدخل العسكري وتوظيف المؤسسات المالية الإمبريالية للهيمنة على المقدورات الاقتصادية للدول والشعوب.
وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من دجنبر من كل سنة، فهو يوم حقوق الإنسان بغية إسترعاء شعوب العالم إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بإعتباره معيارا مشتركا لجميع الشعوب والأمم، فعلى المستوى الوطني لم تعرف حقوق الإنسان، خلال السنة الجارية، أي تحسن ملموس في شتى مجالات الحقوق والحريات فإن ما يمكن استخلاصه بعد قراءة هذه البيان، أنه في مقابل تمادي السلطات في خرق حقوق المواطنين سنة بعد أخرى، هناك بوادر تبلور وعي لدى المواطنين نساء ورجالا، وشيبا وشبابا، برفض انتهاك حقوقهم والاستمرار في تجاهل مطالبهم، و/أو حرمانهم من حقوقهم الأساسية، وهو وعي تجلى في قيم التضامن، والسلمية ورفض المماطلة أو التسويف، و في الاستعداد للتضحية رغم المواجهة العنيفة للقوات العمومية لإحتجاجاتهم، التي تغتنم مثل هذه الفرص للانتقام من النشطاء والمناضلين ولإظهار قدرتها على خنق ومواجهة المحتجين لثني الآخرين عن ذلك عوض فتح الحوار مع المحتجين المتضررين والاستجابة لمطالبهم الاجتماعية التي تتشابه في العديد من المناطق، ومن أهمها :
ـ رفع التهميش والحيف.
ـ تحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية خاصة الحق في الصحة والسكن اللائق.
ـ مراجعة القرارات السياسة اللاشعبية المتخذة من طرف الحكومة أو الدولة.
ـ القضاء على الفساد مع ربط المسؤولية بالمحاسبة وتنزيل الشفافية وتكافؤ الفرص.
ـ التشغيل ووضع خطط لمواجهة تفشي العطالة، وخاصة بين صفوف حاملي الشهادات.
ـ ضمان حرية التعبير والتظاهر السلمي .
إن تقييمنا بالمركز الوطني لحقوق الانسان لوضعية حقوق الانسان ببلادنا من خلال الملفات والقضايا التي نواكبها على مستوى المركز والذي نعتمد فيه المرجعية الكونية لحقوق الانسان ومدى إعمال الدولة المغربية لإلتزاماتها بهذا الصدد، يظهر جليا أن المغرب لازال بعيدا عن مقومات دولة الحق والقانون بحكم غياب إرادة سياسية حقيقية لدى الدولة للنهوض بمجال حقوق الانسان، فقد لوحظ بالملموس توجه سياسة الدولة نحو التراجع عن المكاسب الحقوقية واستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وتردي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما جعل المواطنين و المواطنات، الذين لم يعد بإمكانهم السكوت على تدهور وضعيتهم الاجتماعية، ليدفعوا مقابل ذلك ثمنا غاليا تمثل في العنف الذي سلط عليهم و تسبب لهم في جروح متفاوتة الخطورة والاعتقالات بالجملة ومحاكمات أفضت إلى سنوات من الاعتقال في حق نشطاء وحقوقيين وصحفيين ومحاميين إضافة إلى مبالغ خيالية للغرامات والتعويض، مما يؤكد أن الدولة عوض أن تلتفت إلى مشاكل المواطنين لحلها، فإنها تزيد في تأزيمها، مما يجعل من هذه السياسة القمعية سياسة ممنهجة وليس مجرد تجاوزات تحصل بين الحين والآخر، ومن الطبيعي أن تكون النتيجة في مثل هذه الظروف تدني ثقة المواطن إلى أدنى مستوى لها منذ فترة الربيع العربي، ومن جانب آخر تدنت ثقة المواطنين بممثلي الأمة، كما تواترت أحاديث حول تدخلات في شؤون القضاء، خاصة في قضايا محدودة وذات حساسية والتي اهتز لها الرأي العام.
كما سجل المركز الوطني لحقوق الانسان بالمغرب ان وضعية حقوق الإنسان ببلادنا، في سياق وطني عام يتسم بتراجعات كبيرة ملحوظة عن العديد من المكتسبات الحقوقية، التي حققتها الحركة الحقوقية والقوى الديمقراطية والحركات الاحتجاجية وبالملفات المطلبية، عبر نضالات مريرة كلفت الكثير من المجهودات ومن التضحيات، وقد شملت هذه التراجعات تراجعا خطيرا لواقع حقوق الإنسان في المغرب بشتى المجالات مما جعل الوضع في المغرب يعيش حالة غليان بين سياسات الحكومة وقرارتها وبين تطلعات المواطنين وتوقعاتهم، والجدير بالدكر أن سنة 2023 لم تشهد أي مستجدات جوهرية على صعيد أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، حيث سيطر على العلاقة بين الجانبين بشكل عام حالة عدم الثقة وساد المزاج الشعبي خلال العام المذكور درجة عالية من التوتر والقلق وحتى الخوف من المستقبل، ولم تحدث القرارات التي تبنتها الحكومة في مجالات تحسين الأداء ومحاربة الفساد الصغير والمتوسط وهو ما خلق حالة القلق السائدة على مستوى الجماهير، كما ساهمت الظروف الإقليمية والدولية في تأزيم الأوضاع الداخلية، خاصة في تعميق درجة القلق الشعبي حيال قرارات الحكومة سواء على صعيد السياسات الاقتصادية أو تلك التي تم تبنيها في مجال التربية والتعليم العام، واستهدفت بصفة خاصة الأطر التربوي.
كما إرتفعت الأصوات المطالبة بمحاربة الفساد والتهاون في كشف ومحاسبة مرتكبي الفساد الكبير الذي ينخر جل القطاعات والتي تضيّع على المغرب إمكانية بناء 150 مستشفى حديث ومجهز، بسبب الفساد المستشري في الإدارات العمومية وكانت أبرز المآخذ على الحكومة وأجهزتها، استشراء الفساد على مختلف المستويات، وممارسة المحسوبية والزبونية والوساطة، وعجز الحكومة عن ممارسة صلاحياتها الكاملة في تدبير الشأن العام، وإرتفاع البطالة لمستويات غير مسبوقة في تاريخ المغرب.
وهنا يسجل المركز الوطني لحقوق الانسان بالمغرب أن الإرادة السياسية لدى الدولة المغربية مقيدة بشكل كبير، والتي تحدها مقاربة النزعة التحكمية والتسلط في التعاطي مع الحريات والحقوق، والتي من خلالها تتملص الدولة المغربية من التزاماتها الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ليس فقط بسبب عدم إعمالها لمقتضيات الاتفاقيات والعهود الدولية التي وقعتها وصادقت عليها وألزمت نفسها دوليا بإقرارها وإحترامها، أو نتيجة لعدم إكتراثها بتوصيات اللجن التعاهدية والمقررين الخاصين والخبراء وفرق العمل الأمميين، وتجاهلها لتقارير وملاحظات المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والوطنية، حيث تترتب على سلوكيات عدد من ممثلي السلطة والقوات العمومية انتهاكات مسترسلة لحقوق الإنسان بكافة أشكالها، مما تسبب في تفاقم الوضع الحقوقي بالمغرب، و الأمر يرجع إلى عدم قدرة عدد من مؤسسات الدولة، على التأقلم والإنصياع لإلتزامات الدولة المغربية بالمعاهدات الدولية والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بها، فيما يخص النهوض بأوضاع حقوق الانسان وحمايتها، وإنما أيضا بفعل تصعيدها لهجومها على حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية، وعلى المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وعلى المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والوطنية، لثنيها عن أداء رسالتها الحقوقية المتمثلة في لفت إنتباه الدولة إلى إلتزاماتها، وإلى ما تقوم به من انتهاكات تضرب في الصميم هذه الإلتزامات.
كما يسجل المركز تعمّق الإنتهاكات والتراجعات في هذا المجال، نتيجة النظام الاقتصادي السائد والسياسات والبرامج الحكومية الغارقة في الإذعان لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وخوصصة القطاعات الحيوية والإجتماعية، وضخامة خدمات المديونية الخارجية، وإنعكاسات السياسة الليبرالية المتوحشة على ميزانية الدولة المتعارضة مع التنمية والتشغيل؛ والإنخراط الكامل للمغرب في العولمة من موقع الضعف، والنهب السافر للمال العام والثروات الوطنية مع إستمرار الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الإقتصادية؛ إضافة إلى إستفحال ظاهرة الرشوة، وغياب الإرادة لدى الدولة لمحاربتها، وضعف الآليات الوطنية للوقاية منها وعدم ملاءمتها مع ما تنص عليه الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد، وهو ما تؤكده الرتبة المتدنية للمغرب في سلم الشفافية العالمية؛ في ظل عجز الحكومة عن مواجهة الفساد والتطبيع معه، فيما الحكومة ماضية في الرفع من أسعار المواد والخدمات الأساسية، وإلغاء صندوق المقاصة، والإجهاز على مكتسبات الشعب المغربي بتمرير قوانين “إصلاح التقاعد” ضدا على الموظفات والموظفين باللجوء إلى إجراءات تحمّل سوء التدبير لصناديق التقاعد للمنخرطين.
وأمام غياب استراتيجية وسياسة واضحة، لجأت الدولة إلى الاقتراض الخارجي عوض البحث عن بدائل حقيقية، مما سيرهن الموازنة العامة ومصير الشعب المغربي والأجيال القادمة للدوائر الرأسمالية؛ كما عملت الدولة على تبني سياسة تقشفية تستهدف تقليص مجالات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لخدمة الدين العمومي أو ما يسمى بالتوازنات الماكرواقتصادية، على حساب الحقوق الاقتصادية والإجتماعية، وإذا ما أمعنا النظر في سلوكياتها، فإننا نتلمس وجود عقبات بنيوية جمة، في الإرادة السياسية لدى الدولة المغربية، حيث أن أصحاب “التعليمات” يشتغلون بمعزل شبه منفصل عن هذه الإرادة السياسية، مما تترتب عنه مظاهر إنفلات وتجاوزات في الإعتقالات العشوائية التعسفية بمجموعة من المناطق، والتضييق على عمل المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وممارسة التضييق على الحق في التنظيم، فضلا عن الإستعمال المفرط، للقوات العمومية في حق عدد من الوقفات الاحتجاجية ذات المطالب الاجتماعية، والتظاهرات السلمية، وهو ما يضعنا أمام حقيقة واضحة، وهي الخط المتعرج والسير المترنح والإنتكاسات المتتالية التي تعيشها حقوق الإنسان ببلادنا؛ وذلك من خلال تواتر إدعاءات التعذيب، والمنع المطرد للحق في التظاهر السلمي، وإستخدام العنف المبالغ فيه والمتكرر ضد المواطنين في الشارع العام، المقترن بالخرق السافر لقوانين تفريق التجمعات، مع محاصرة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان وإعاقة عملها، عبر منعها من ممارسة أنشطتها داخل الفضاءات العمومية، ورفض منحها وصولات الإيداع القانونية، وعدم الإمتثال للأحكام الصادرة من طرف المحاكم المغربية بهذا الخصوص، وازدراء سيادة القانون.
كما أن مؤسسة البرلمان في صيغته وصلاحياته التشريعية والرقابية المعمول بها حاليا، لا سلطة له على أجزاء واسعة من محاور التدبير المالي العمومي، خاصة بعد التطور الكبير الذي عرفته الحسابات الخصوصية للخزينة، والتوجه الحديث لإحداث الوكالات والمؤسسات العمومية التي تشتغل خارج رقابة السلطة التشريعية وهو ما تسبب في إهتزاز صورة المغرب أمام الرأي العام الوطني والدولي، بسبب تبعات الفساد وغياب الشفافية وسوء التدبير واتخاذ قرارات غير ديمقراطية في بعض القطاعات والمرافق الحكومية وهي الأرقام والإحصائيات الدولية الصادمة التي أماطت اللثام وجعلت المغرب في مراتب متديلة.
كما يعبر المركز الوطني لحقوق الانسان بالمغرب عن قلقه الشديد من الإعتقالات والمحاكمات السياسية، المغلفة بقضايا الحق العام، مما يؤكد عودة سنوات الإنتهاكات في حق الناشطين والسياسيين والحقوقيين والإعلاميين، بصيغة مموهة، مما يجعل الأمر لا يتعلّق بنزوات فردية أو بشطط في استعمال السلطة من طرف المكلفين بإنفاذ القانون، وإنما يتعلّق بسياسة ممنهجة، لضرب الهيئات الحقوقية والتنظيمات والتي تتعرض الى الإجهاز على الحريات العامة، وعلى رأسها الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي وممارسة نشاطاتها، وفي إستمرار حالات متكرّرة للتضييق على ذوي الاحتياجات الخاصة، والحرمان من حضور أنشطة عمومية، وقمع المعطلين، وقمع الحريات النقابية، وقمع الأشكال التضامنية، والتضييق على مقرات بعض الهيئات النقابية والسياسية وما يسمى المس بالمقدسات، والتجمهر المسلح وغير المسلح، عبر خلق سيناريوهات من قبيل المس بسلامة وأمن القوات العمومية، أو تعييب منشآت عمومية وخاصة، العصيان وعرقلة حركة الجولان في الشارع العام، والتظاهر غير المرخص له؛ وغيرها من الإتهامات الجاهزة، لتجريد العديد من النشطاء السياسيين والنقابيين والحقوقيين، ومعتقلي الحركات الاجتماعية من صفة المعتقل السياسي وعلى سبيل المثال لا الحصر إعتقال ومحاكمة رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب الذي لفقت له تهم لاعلاقة بما حوكم به وقضائه فترة بالسجن أكثر مما هي محكوم بها .
– لا زالت الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، التي من المفترض أن يعهد إليها الرصد والتحقيق في مزاعم التعذيب وزيارة أماكن الإحتجاز، لم تر النور بعد في بلادنا ، وهي آليه أقرتها المادة 17 من البروتوكول الاختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب وسوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، حيث كان من المفروض إحداثها في أجل أقصاه سنة واحدة، ابتداء من تاريخ إنفاذ أو المصادقة أو الانضمام للمعاهدة، علما أن المغرب تقدم بأوراق إنضمامه في نونبر 2014.
-إستمرار ظاهرة الإفلات من العقاب، رغم وجود قرارات بإعفاء بعض المسؤولين الوزاريين وغيرهم، الذين تورطوا في نهب المال العام او إهداره، ناهيك عن المسؤولين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، خاصة المكلفين بإنفاذ القانون، لم تطلهم بعد يد العدالة ورغم مصادقة الحكومة على القانون المتعلق بحق الوصول إلى المعلومات، فقد ظل قانونا غير مفعل في ظل تغول الفساد الذي ينخر الإدارات والمؤسسات فهذا النص لا ينسجم مع المعايير الدولية في هذا المجال، وهنا رصد المركز أن مشروع القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، يقنن الالتفاف على حق الحصول على المعلومات، فيما يطرح سؤال الإرادة السياسية الحقيقية لدى الدولة في مقابل ذلك تشير تقارير دولية إلى إحتلال بلادنا بمراكز متأخرة في مؤشرات محاربة الرشوة والفساد، وغياب إرادة حقيقة لمكافحة الفساد من خلال عدة مؤشرات”
وبرغم أن المغرب انخرط في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد سنة 2007″ وتم تعديل مجموعة من القوانين الخاصة بمكافحة الفساد مثل التصريح بالممتلكات والحق في الوصول إلى المعلومة ، ووجود عدد من المؤسسات والآليات لمحاربة الفساد من قبيل المجلس الأعلى للحسابات والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، واللجنة الوزارية لتعزيز النزاهة والشفافية، وغيرها، ينضاف إلى ذلك ما يتضمنه الدستور بهذا الشأن من قبيل الميثاق الأخلاقي حول المرافق العمومية ومبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة.
أما من جهة أخرى، لاحظ المركز ان الدولة تحاول أن تظهر أمام المنتظم الدولي كمدافعة عن حقوق الإنسان، من خلال إصرارها على إستصدار توصية من لدن المجلس الدولي لحقوق الانسان، خاصة بحماية المدافعين عن حقوق الانسان، هي نفسها الدولة التي لا تعير أي اهتمام لما يصدر عن الآليات الدولية، التعاقدية منها أو غير التعاقدية، من توصيات تلزمها باحترام حقوق الإنسان؛ كما أنها لم تتخذ بعد الإجراءات القانونية اللازمة للانضمام إلى بعض الاتفاقيات والبروتوكولات الاختيارية، خاصة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية والسياسية. ومن خلال استقراء الوضع التشريعي والقانوني، خلال سنة 2023، نلمس تلكؤ الدولة في إخراج العديد من القوانين التنظيمية المنصوص عليها في دستور2011؛ ويتعلق الأمر بالقانون التنظيمي حول الأمازيغية، والقانون التنظيمي حول هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها. أما مشاريع القوانين التي أعدتها الحكومة، فقد هيأتها في الكثير من الأحيان، بشكل إنفرادي ولم تفتح فيها أي نقاش عمومي واسع لأشراك المنظمات السياسية والنقابية والحقوقية والنسائية والشبيبية ومختلف الفعاليات المهتمة في هذا النقاش، للإستماع إلى وجهات نظرها والأخذ بعين الإعتبار ما تطرحه من مقترحات، بل إنها سعت إلى تهميش حتى البرلمان في إعداد البعض منها، رغم أن هذا الأخير هو صاحب الإختصاص في مجال التشريع. وبهذا الإقصاء الممنهج للجميع، هيأت الدولة عدة قوانين تراجعية، غير متلائمة مع المرجعية الدولية لحقوق الانسان والمواثيق المصادق عليها.
سجل المركز كذلك أن التعليم في بلادنا يعيش على إيقاع ضرب الدولة لمقومات الحق في التعليم، عبر التمادي في سن القوانين وتطبيق الإجراءات والتدابير الهادفة لخصخصته، وبشأن الغاء مجانية التعليم تدريجيا من خلال تصديق المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (هيئة إستشارية) العام الماضي على توصية بهذا الشأن من خلال إقرار رسوم للتسجيل بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى وبمؤسسات التعليم الثانوي في مرحلة ثانية، مما يعتبر مساساً بحق المغاربة في تعليم مجاني وتراجعا خطيرا في المنظومة التعليمية وقد يدفع التلاميذ والطلبة إلى مغادرة مقاعد الدراسة بسبب عدم قدرة أسرهم على سداد الرسوم، متغاضية عن كونه قطاعا حيويا لا يمكن تسليعه وإخضاعه لمنطق السوق، وغير آخذة بعين الاعتبار إنعكاسات هذا التفكيك على مآل حقوق الإنسان الأخرى كالصحة، ومستوى العيش والإنتصار لقيم التسامح والتضامن، وإكتساب المناعة الفكرية ضد التطرف والإرهاب.
وفي هذا السياق، رسمت تقارير دولية أخرى صورة سوداوية ومخجلة عن الوضع التعليمي
فحسب مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي والذي قدف بالمغرب الى مؤخرة الترتيب بعدما تقدمت دول مثل اليمن التي أنهكتها الحروب، وهنا أصبح التعليم المغربي في بلادنا أداة لتكريس الفوارق الاجتماعية، بعد تسارع توجه أولياء الأمور نحو التعليم الخاص، خصوصا مع توالي صدور التقارير الدولية والوطنية التي وصفت واقع منظومة التربية والتكوين ببلادنا بالفشل العام الذريع لكل السياسات والمخططات والبرامج العادية والاستعجالية و الميزانيات التي استنزافها بين النهب والتبذير من طرف المسؤولين المشرفين على القطاع في غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة ، مما جعل معدلات الهدر المدرسي في إرتفاع حاد سنة بعد أخرى.
عاش المركز الوطني لحقوق الإنسان شامخا.