بوجدور: توازن دقيق بين صرخة المطالب وحماية الوحدة الوطنية

متابعة : كمال قابل
تجد مدينة بوجدور نفسها، كغيرها من المدن المغربية، في قلب تفاعلات اجتماعية وسياسية معقدة. إن خروج المواطنين، خاصة الشباب، في مظاهرات للمطالبة بـتحسين ظروف العيش الكريم هو صرخة مشروعة وضرورية في أي ديمقراطية تهدف إلى العدالة الاجتماعية. هذه المطالب، النابعة من قلب الهم اليومي للمواطن، هي المحرك الأساسي لأي إصلاح حقيقي.
لكن، في خضم هذه الحركة الاجتماعية، يبرز مشهد آخر، مشهد لرجال يعملون في الظل والخفاء، لا يطلبون الثناء ولا يبحثون عن الأضواء. هؤلاء هم رجال الأمن والسلطات المحلية في بوجدور، الذين يعملون ليل نهار في مهمة نبيلة وحاسمة: الحفاظ على الأمن والامان والاستقرار في المدينة.
إن الفهم السائد والواضح لعمل هذه الأجهزة في السياق الحالي هو أنه ليس قمعاً للصرخة الشبابية. بل إن جوهر عملهم يكمن في ضمان عدم تحوّل المطالب المشروعة إلى فوضى يمكن أن تدمّر المكتسبات، والأهم من ذلك، عدم استثمارها من قبل جهات معادية.
يكمن التحدي الأكبر لهؤلاء الرجال في التمييز بين المتظاهر الساعي لحقه وبين من يسعى لـتغذية الفتنة. هم يدركون أن هذه التجمعات قد تكون أرضاً خصبة تتسلل إليها الأجندات السياسية الداخلية أو، بشكل أكثر خطورة، أعداء الوطن الذين يسعون لـتقسيم المغرب الحبيب.
تُعدّ المناطق الجنوبية، بما فيها بوجدور، خط الدفاع الأول عن الوحدة الترابية للمملكة. وبالتالي، فإن أي تظاهرة أو تجمع يحتمل أن يتسلل إليه الانفصاليون يشكل تهديداً وجودياً للبلاد. رسالة رجال الأمن واضحة: يجب أن يظل المشهد مقتصراً على المطالبة بالحقوق وتحسين الظروف المعيشية، ويجب عدم السماح له بالانزلاق نحو فتح المجال لـدعاة الشقاق والتفريق الذين هدفهم الوحيد هو خلق الفتنة والمس بالهوية الوطنية.
هذا هو التوازن الدقيق الذي يعمل رجال الظل على تحقيقه: ضمان حرية التعبير والتظاهر السلمي من جهة، واليقظة التامة والحازمة لمنع الاستغلال الخارجي والداخلي الذي يستهدف وحدة الوطن واستقراره من جهة أخرى. هم يمثلون خط الدفاع الهادئ عن استقرار بوجدور ووحدتها، مع إدراك كامل بأن تحقيق العيش الكريم هو أفضل سلاح ضد أي محاولة للزعزعة.
إنهم يستحقون التقدير على هذا الجهد المتواصل الذي يحمي المدينة من الانزلاق إلى مستنقع الفوضى، ويضمن بقاء المطالب في إطارها السلمي والبناء.