عباءة التقوى المتأخرة: متى تحول أشباح بوجدور إلى أبطال للإصلاح؟

متابعة : كمال قابل
لطالما كانت مدينة بوجدور شاهدة على مفارقة مؤلمة: فبقدر ما تزخر به من إمكانيات، بقدر ما تكابد من عواقب الإهمال الإداري. لقد عانت الساكنة لسنوات، ولا تزال، من فئة من المسؤولين تميز أداءها بـالتقاعس المزمن ونهب المال العام، أو مجرد الغياب التام عن المشهد، ليصبحوا مجرد “أشباح” نسمع عن مناصبهم ولا نحس بوطأة نشاطهم أو إنجازاتهم على أرض الواقع. هؤلاء هم ذاتهم من تركوا المدينة تتخبط في سوء الأوضاع، ومن كانوا يتقاسمون الصمت المطبق حيال ملفات التنمية والخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، تاركين مشاريع الإصلاح مجرد حبر على ورق، ومصالح المواطنين رهينة للروتين والإهمال.
لكن المشهد اليوم يتغير، مع تغير غير متوقع ومثير للريبة في سلوك هؤلاء المسؤولين. لم يعد الصمت خيارًا. لقد أحدث الحراك الشبابي الأخير في المغرب، والذي طالب بقوة بالإصلاحات الجذرية، ومحاربة الفساد، ومحاسبة المفسدين، هزة عنيفة في الأوساط الإدارية والسياسية. هذا التحرك لم يقتصر على مجرد إثارة الضجة، بل شكّل تهديدًا حقيقيًا بالإطاحة بالعديد ممن تقاعسوا عن أداء واجبهم لسنوات طويلة. هنا ظهرت المفارقة الصارخة: فجأة، وبشكل يثير الريبة والسخرية، ارتأى هؤلاء المسؤولون، الذين كانوا جزءاً أصيلاً من المشكلة، أن يرتدوا عباءة التقوى والبطولة الخارقة. بين ليلة وضحاها، تحول من كان بالأمس القريب مهندساً أو متفرجاً على التدهور إلى مدافع شرس عن قضايا المجتمع، ومنادٍ بالإصلاح، ومندد بسوء الأوضاع ذاتها التي تسبب بها أو غض الطرف عنها.
إن هذا التحول السريع يكشف عن انتهازية سياسية واضحة، هدفها ليس الإصلاح، بل إنقاذ الذات والمنصب. المشهد اليوم يفرض علينا طرح أسئلة نقدية على مرأى ومسمع الجميع: أين كانت صرخاتكم المطالبة بالنهوض والتنمية والدفاع عن مصالح بوجدور حين كان صوت الساكنة لا يجد من يسمعه؟ أين هي زياراتكم التفقدية واجتماعاتكم الاستشارية التي لم نر لها أثراً قبل أن يبدأ الشباب حراكهم؟ كيف يمكن لمن كان يُعرف بـ”شبح المنصب” أن يصبح فجأة “بطل الإصلاح”؟ إنهم يتصرفون وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء، وكأنهم لم يرتكبوا أي تقصير، في محاولة واضحة للركوب على موجة التغيير التي أطلقها الشعب، لإيهام الرأي العام بأنهم كانوا دائمًا على خط المواجهة، في حين أن سجلهم المهني لا يشهد إلا على التقاعس المُمَنهج. هذه المسرحية لا تستهدف الإنجاز، بل تهدف إلى تبييض السجلات وتفادي المحاسبة عبر تقليد صوت الشارع.
لا يمكن لمدينة بوجدور أن تتقدم حقًا إلا بـمسؤولين صادقين في الفعل، وليسوا مجرد خطباء انتهازيين في القول. إن الوعي العام هو خط الدفاع الأول ضد هذه المحاولات لتزييف الحقائق. يجب على الساكنة أن تدرك أن الفرق شاسع بين المُصلح الحقيقي الذي عمل بصمت وجدية لسنوات، والراكب المفاجئ للموجة الذي لم يظهر إلا عندما أصبحت كراسيهم مهددة. إن صوت الشباب الذي طالب بالتعليم والصحة والمحاسبة يجب أن يظل حاداً وناقداً، لفرز الصادق من الدخيل. فالإصلاح ليس عباءة تُلبس في زمن الخطر، بل التزام دائم لا يعرف الغياب.