مجتمع

عبقرية ملك في خطاب الحسم : محمد السادس يستكمل مسار التحرير الوطني لبناء المغرب الموحد من طنجة للكويرة .

 

بقلم : البراق شادي عبد السلام

 

يوم 31 أكتوبر 2025 تنطلق المملكة المغربية الشريفة، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، نحو “انعطاف تاريخي” غير مسبوق، يُعد بحق تجسيدًا لرؤية ملكية سامية تستهدف الطي النهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية المقدسة، وتدشين “فتح جديد” لترسيخ سيادتها الراسخة بعد عقود من التضحيات الجسام ، فهذا التحول الجوهري ينبع من الإجماع الوطني المتجدد لمختلف أطياف الشعب المغربي خلف العرش العلوي المجيد، ويجد تعبيره العملي في التمسك الأبدي بالمؤسسة الملكية صانعة أمجاد الأمة المغربية ،و على هذا الأساس فإن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي يمثل الإطار الوحيد والحل التوافقي الأنسب الذي أرساه جلالته بعبقرية وحكمة و مسؤولية لضمان الوحدة الترابية للوطن في مشهد نادر تتجسد فيه حكمة و كياسة القائد الساهر على استكمال مسار التحرير الوطني الذي بدأه أسلافه الميامين و رسخه الملكين العظيمين بطل التحرير الملك محمد الخامس قدس الله روحه و مبدع المسيرة و قائد معركة العزة و الكرامة في الصحراء المقدسة المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه .

 

لقد اكتسب الحسم الملكي بعدًا رمزيًا عميقًا لتزامنه مع احتفالات الأمة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة والذكرى السبعين لإستقلال المغرب، وهو ما يؤكد على تلاحم الماضي المجيد بالحاضر المشرق تحت راية ملك البلاد الضامن الأوحد و الوحيد لوحدة ترابنا الوطني و سيادته الغير قابلة للتصرف أو المساومة . حيث تشير الإشارة الملكية إلى أننا نعيش “مرحلة فاصلة” وأن “هناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده”، إلى أن التوجيهات الملكية السامية قد وضعت خارطة طريق لا رجعة فيها نحو تثبيت واقع “المغرب الموحد”، الممتد عزه وسيادته من طنجة الأبية إلى لكويرة العزيزة ، فهو عهد الولاء المتجدد والعهد الدائم ليبقى المغرب شامخًا موحدًا خلف قائده الأمين.

 

لقد دخلت قضية وحدتنا الترابية مرحلة نوعية لا تقبل التراجع، مدفوعة بـ دينامية إيجابية وحاسمة. اليوم، بفضل الرؤية الملكية المستنيرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله نقطف ثمار جهود مختلف الفاعلين و المتدخلين في هذه المعركة الدبلوماسية المتواصلة في جبهات متعددة و مستويات مختلفة ؛ اليوم بعد نصف قرن من النضال المستميت تؤكد الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي، مُمثلة بـ ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الإطار الأوحد و الأكثر مصداقية و واقعية لحل هذا النزاع المفتعل. فهذا الاعتراف السياسي يتعزز بترسيخ السيادة الاقتصادية، مع تدفق استثمارات ضخمة من قوى عالمية كبرى ( كالولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، إسبانيا، والاتحاد الأوروبي)، في شهادة دولية صريحة على مغربية الصحراء.

 

يتجاوز هذا التحول السياسي والاقتصادي الدعم الخارجي السياسي بل يتجه بثبات ليصبح مشروعًا مستقبليًا طموحًا. فالأقاليم الجنوبية، وبدعم من هذه الاستثمارات الدولية الكبرى، في طريقها لتتحول إلى بوابة محورية للاستقرار الإقليمي و العالمي وقطبا لا غنى عنه للتنمية الاقتصادية في محيطها الجهوي. فهذا المسار التنموي يؤكد بوضوح أن الأقاليم الجنوبية هي جزء أصيل وفاعل في النسيج الاقتصادي والسيادي المتكامل للمملكة، و لا مجال للمناورة بإعادة الخطابات الإيديولوجية المستهلكة .

 

اليوم المملكة المغربية أمام “مرحلة حسم” على المستوى الأممي، وقد أتى قرار مجلس الأمن الأخير ليُثبّت المبادئ والمرتكزات الأساسية لإيجاد حل سياسي نهائي يضمن الحقوق المغربية المشروعة وثوابت الأمة. وفي هذا السياق المتقدم، أكد جلالة الملك محمد السادس التزام المغرب بمواصلة البناء على هذا الأساس، معلناً بكل مسؤولية في موقف تاريخي عن نية المملكة عن تقديم تفاصيل أكثر لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لتقديمها للأمم المتحدة إنطلاقا من كونها الأساس الوحيد الذي لا بديل عنه للتفاوض، باعتبارها الخيار العقلاني والعملي الوحيد و المناسب لإنهاء هذا النزاع الإقليمي في إطار السلام العادل و الشامل و المستدام .

 

وجه الخطاب الملكي نداءً تاريخيًا مفعمًا بالصدق إلى الأخوة المحتجزين في مخيمات تندوف، داعيًا إياهم إلى اغتنام هذه الفرصة غير المسبوقة لطي صفحة الماضي وجمع الشمل مع أهلهم و العودة إلى وطنهم الأم. حيث أن هذه الدعوة الصادقة من أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، تنبع من قيم مغربية أصيلة عنوانها الكرامة والحرية والعيش الكريم في ظل الدولة العلوية الحامية و العرش العلوي المجيد، وهي قيم تؤكد أن جميع المغاربة سواسية في الحقوق والواجبات ، كما أنها تُعد امتداداً في الفكرة والمضمون لدعوة المغفور له جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، “الوطن غفور رحيم”، التي شكلت منعطفاً تاريخياً لهذا النزاع الإقليمي المفتعل بعودة العشرات الآلاف من المحتجزين إبتداء من نهاية الثمانينيات إلى اليوم و قد حرصت الدولة المغربية على إدماجهم الكامل في النسيج المجتمعي ، حيث أكد جلالته أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تفتح الباب واسعاً أمامهم للمساهمة الفعالة في تدبير شؤونهم المحلية وفي المسار التنموي الشامل للمغرب.

و هو ما أكد عليه جلالته في الخطاب الملكي قائلا : ” بصفتي ملك البلاد، الضامن لحقوق وحريات المواطنين، أؤكد أن جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف، وبين إخوانهم داخل أرض الوطن.”

انتهى الإقتباس .

 

وفي إطار السعي نحو بناء مستقبل إقليمي مستقر ومزدهر، و بروح أخوية صادقة و إيمان عميق بوحدة الصف المغاربي مدّ جلالة الملك يد السلام إلى القيادة الجزائرية، داعيًا فخامة الرئيس عبد المجيد تبون إلى حوار أخوي صادقة و محادثات مباشرة بهدف تجاوز الخلافات التاريخية و السياسية و بناء سلام إقليمي شامل يضمن حقوق الشعوب المغاربية في الاستقرار والازدهار و التنمية. بالتوازي مع ذلك، جدد المغرب التزامه الثابت بمواصلة الجهود المخلصة من أجل إحياء مشروع الاتحاد المغاربي، تأسيساً على الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين الدول الخمس الأعضاء، انطلاقاً من إيمانه بأن الهدف الأسمى هو إرساء دعائم علاقات جديدة متينة تقوم على الثقة المتبادلة وروابط الأخوة وحسن الجوار و المصير المشترك ، بما يخدم المصالح العليا للشعبين الشقيقين في تجسيد حقيقي و تأكيد على أن إستراتيجية ” اليد الممدودة ” للشعب الجزائري هي إختيار سياسي مغربي و ليس مناورة سياسبة ظرفية تهدف إلى تصريف الأزمة و هو ما أكد عليه جلالته قائلا : ” يبقى المغرب حريصا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف ، فالمغرب لا يعتبر هذه التحولات انتصارا، ولا يستغلها لتأجيج الصراع والخلافات.” انتهى الاقتباس .

 

الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس و إنطلاقا من هذه اللحظة التاريخية وجه عبارات الشكر والتقدير العميقين لجميع الدول الصديقة والشقيقة التي ساهمت في الدينامية الإيجابية لملف الوحدة الترابية. وخص جلالته بالشكر الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الإستراتيجي للمملكة المغربية الشريفة منذ قرون مضت ،بقيادة صديق المغرب الكبير فخامة الرئيس دونالد ترامب، و التي مكنت جهودها القوية من فتح آفاق جديدة الحل النهائي للنزاع تحترم الحقوق التاريخية للمملكة المغربية ، إلى جانب جهود أصدقاء المغرب في بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا. كما أعرب عن جزيل الشكر للدول العربية والإفريقية الشقيقة وكافة الأطراف الدولية التي قدمت دعماً دائماً ولا مشروطاً لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، مؤكداً أن هذا الدعم يعكس انتصار الحق والشرعية. إن هذه الدعوات المخلصة للوحدة والمصالحة، بالإضافة إلى تثمين الدعم الدولي المتزايد، تشكل معًا حجر الزاوية في بناء المغرب الموحد الذي لن يتطاول أحد على حقوقه وحدوده التاريخية، من طنجة إلى لكويرة.

فالمملكة المغربية ، وهي تدخل مرحلة الحسم الأممي بخطى واثقة ومبادرة حكم ذاتي تشكل الأساس الوحيد للتفاوض، تؤكد أن هدفها الأسمى يتجاوز الانتصار السياسي او العسكري المحسوم سلفا ليتمحور حول تحقيق استقرار واندماج إقليمي شامل. هذا الالتزام الثابت بمسار سلمي وتوافقي هو الضمانة الحقيقية لتحويل الأقاليم الجنوبية إلى قطب للتنمية والاستقرار ومحور اقتصادي إقليمي، بما يخدم مستقبل الأجيال القادمة ضمن مغرب قوي ومزدهر في ظل العرش العلوي المجيد .

 

لقد شكل الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتحول التاريخي الذي أرّخ له يوم 31 أكتوبر 2025، منعطفًا حاسمًا و “براكسيس جديد ” في مقاربة المملكة الشريفة لملف وحدتها الترابية ،فهذا هذا التحول يعلن بوضوح الانتقال من مرحلة الدفاع إلى “التدبير الاستراتيجي للملف” من موقع القوة السياسية و الديبلوماسية الهادئة والسيادة الكاملة الغير القابلة للتصرف على الأقاليم الجنوبية للمملكة ، فالرؤية الملكية لم تعد تقتصر على إنهاء النزاع المفتعل، بل تجاوزته لتؤسس لواقع جديد يرتكز على ثلاثة محاور ثابتة:

 

– أولها: السيادة المغربية الكاملة كقاعدة انطلاق وحيدة للتفاوض، والتي تجعل مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الأوحد والمناسب.

– ثانيها: الانفتاح التام والمستمر على مختلف المبادرات التنموية والاستثمارية الدولية الهادفة إلى تحويل الأقاليم الجنوبية إلى جسر تنموي عملاق وقطب استقرار إقليمي، تحت السيادة المغربية.

– ثالثها: إرساء دعائم علاقات مغاربية جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصير المشترك، كما جسدتها الدعوة الأخوية الصادقة للقيادة الجزائرية.

 

حيث أثبتت جهود التعبئة الوطنية الشاملة، بمشاركة مختلف مؤسسات الدولة الاستراتيجية وقواها الحية، فعاليتها وقوتها في تغيير قواعد الاشتباك على الساحة الدولية فبالإجماع الوطني خلف العرش العلوي المجيد و بالثبات الدبلوماسي و السياسي ، نجحت المملكة في نقل مركز الثقل السياسي و الديبلوماسي و العسكري و إلى ميدان باقي الأطراف و التي هي اليوم مجبرة على الانخراط فيه تحت الرعاية الأممية وهو الانخراط الجدي والمسؤول في المساعي الرامية إلى إيجاد حل سياسي نهائي على أساس المبادرة المغربية.

 

فالمغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، يسير بخطى واثقة نحو تثبيت واقع “المغرب الموحد”، لا كمنتصر على خصم، بل كباني لمستقبل إقليمي مشترك يسوده السلام والازدهار. هذا المسار الذي لا رجعة فيه يؤكد أن الأقاليم الجنوبية ليست ملف تنافس جيوسياسي بل هي رسالة و قاطرة للتنمية الإقليمية والاندماج الفاعل في منظومة الأمم المتحدة ، تحت راية الوطن الضامن لوحدة ترابه وكرامة أبنائه بقيادة ملك عظيم يؤسس بهدوء إستراتيجي و برؤية مستنيرة لسلام إقليمي شامل و عادل ، لا يفرضى، بل يصنع ليخدم المصالح للشعوب المغاربية يحقق لها مساعي الإزدهار و التكامل المنشود .

و لا غالب إلا الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى