المملكة المغربية : رؤية ملكية شاملة و نهج متكامل لبناء القدرة على الصمود و تدبير الكوارث

بقلم : البراق شادي عبد السلام
في ظل التحديات الجيوسياسية و المخاطر المناخية و الهيدرولوجية و الجيولوجية و الغير تقليدية التي تواجه المملكة المغربية في العقود الأخيرة و في إطار الرؤية الملكية المستنيرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله المرتكزة على خدمة المواطن المغربي و حماية الوطن و ضمان أمنه و إستقراره و الدفاع عن مصالحه العليا من منطلق سيادي يهدف إلى إرساء نموذج متفرد في إدارة الكوارث وتدبير الأزمات ،من خلال بناء منظومة متكاملة تتسم بالجاهزية والإستباقية والإبتكار، حيث أن العقل الإستراتيجي المغربي وضع تصورا شاملا للحد من الكوارث الطبيعية و إدارة الأزمات المرتبطة بها و تدبير المخاطر الناجمة عنها من خلال إلتزام دستوري واضح تؤطره الخطب و التوجيهات الملكية السامية التي تعتبر الإطار المرجعي لإشتغال المؤسسات الإستراتجية للوطن لتنزيل هذه البرامج و المخططات بشكل سليم و فعال و دقيق .
فالمغرب يعتبر من أكثر الدول عرضة للمخاطر الناتجة عن الظواهر الجيولوجية والمناخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الكوارث مثل الفيضانات والزلازل والجفاف تكلف المغرب أكثر من 575 مليون دولار سنويًا.
و في هذا السياق فالمشروع الملكي الإستراتيجي بإحداث المنصات الجهوية للمخزون والاحتياطات الأولية للنشر الفوري لعمليات الاغاثة في حالة وقوع الكوارث وفق بنية لوجستيكية مبتكرة و متطورة في تجسيد للنموذج المغربي المتفرد في الصمود والنشر السريع لعمليات الإغاثة في حالة وقوع كوارث حيث يمثل هذا المشروع نقلة نوعية في إستراتيجية المغرب للتعامل مع الكوارث الطبيعية و الأزمات المرتبطة بها و يعكس إلتزام جلالة الملك محمد السادس نصره الله بخدمة القضايا المحورية التي تهم المواطن المغربي من منطلق سيادي و خطوة هامة نحو تعزيز أمن وسلامة المواطنين المغاربة و حماية الأمن القومي للمملكة المغربية ، حيث تنتقل المبادرة المغربية من الاعتماد على إستجابات ظرفية بعد وقوع الكوارث الطبيعية إلى نهج متكامل يمثل رؤية استباقية تهدف إلى تعزيز قدرة البلاد على الصمود و الإستجابة والتدخل الفوري في كل مكان زمان بشكل فعال و سليم .
كما أن هذا المشروع الضخم بقيمة إستثمارية تبلغ 7 مليار درهم يندرج في إطار الإلتزام الكامل للمملكة المغربية بتعاقداتها الدولية و المتعددة الاطراف و بشكل خاص إطار سنداي الأممي للحد من مخاطر الكوارث (2015-2030 ) بما في ذلك التنسيق الدائم و المستمر للمملكة المغربية مع مكتب الأمم للمتحدة المستمر للمملكة مع مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية خاصة أن المملكة المغربية ستشارك في الدورة الثامنة للمنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث GP2025 بجنيف يونيو 2025 و الذي تعكسه الإستراتيجية الوطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية ( 2020-2030) وقد تُرجمت هذه الإستراتيجية إلى خطة عمل ذات أولوية (2021-2023) وخطة عمل تنفيذية (2021-2026 ) تغطي 18 برنامجاً و57 مشروعاً قيد التنفيذ حاليا (بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، حملات التوعية بالكوارث، ودعم الاستثمارات العمومية والخاصة في مجال الحد من المخاطر، وتدعيم قدرة الشبكات العمومية الحيوية على الصمود).
بالإضافة إلى العمل الهام و المحوري الذي تتضطلع به المديرية العامة لتدبير المخاطر الطبيعية بوزارة الداخلية و التي تضم خيرة الأطر و الكوادر و الكفاءات الوطنية المتخصصة في هذا المجال سواء في المرصد الوطني للمخاطر ،الذي يتولى جمع وتقاسم البيانات والمؤشرات المتعلقة بالمخاطر الطبيعية، من أجل تقوية التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال تدبير مخاطر الكوارث ، أوالمركز الوطني لتوقع المخاطر، الذي يتولى مهمة الإخطار الاستباقي للسكان المعرضين للمخاطر، وتأمين سلامة الأشخاص والممتلكات والأنشطة الاقتصادية .
على مستوى صناعة التشريع أرسى المغرب ترسانة قانونية مهمة تهدف إلى توفير الآلية القانونية المساعدة على تمويل مخاطر الكوارث من خلال اعتماد القانون رقم 110-14 في عام 2016 لتغطية عواقب الوقائع الكارثية الذي أدخل نظام التأمين ضد مخاطر الكوارث. حيث يهدف هذا القانون إلى تحسين الصمود المالي للأسر و الشركات المغربية ضد الكوارث الطبيعية و البشرية حيث إستحدث القانون آلية تأمين خاصة تغطي نحو 9 ملايين شخص من خلال إنشاء (صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية) منفصل عن صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية ومُوجَّهاً لمساندة الأسر الأشد فقراً والأكثر احتياجاً ، وتُقدِّم الآليتان الخاصة والعامة للتأمين مجتمعتين نحو 100 مليون دولار تعويضاتٍ للمتضررين كل سنة .
المملكة المغربية اليوم من خلال هذه الخطوة الإستراتيجية تؤسس لنهج متكامل جديد مرتكز على الحكامة المؤسساتية في مجال تدبير مخاطر الكوارث يعمل على تقوية كفاءة بعض المؤسسات القائمة المعنية بتدبير المخاطر و تؤكد على التنزيل الدقيق للرؤية الملكية في مجال تدبير الكوارث و إدارة الأزمات ، مما يؤهل المملكة المغربية للقيام بدورها كاملا في مجال العمل على الحد من المخاطر الطبيعية و الأزمات المرتبطة بها في ظل التحديات الكبرى التي يعرفها العالم جيوسياسيا و مناخيا و طبيعيا و كذا المواعيد الرياضية الكبرى التي يستقبلها المغرب في السنوات المقبلة .
و على هذا الأساس يمكن تحليل المشروع الملكي الرائد بإحداث المنصات الجهوية للمخزون والاحتياطات الأولية للنشر الفوري لعمليات الاغاثة في حالة وقوع الكوارث من أربع أبعاد متداخلة :
– أولا : البعد الجهوي : إنشاء منصات في كل جهة من جهات المملكة 12 منصة يضمن وصول المساعدات بشكل أسرع وأكثر فعالية إلى المناطق المتضررة و هذا يقلل من الإعتماد على مركزية الاستجابة، من خلال توزيع الموارد إستراتيجيًا في جميع أنحاء البلاد، يمكن للمغرب ضمان الاستجابة السريعة والفعالة للاحتياجات المحلية في حالة وقوع كارثة.
– ثانيا التكامل و تنوع المخزون: المشروع لا يقتصر على توفير المواد الغذائية والإيوائية فقط، بل يشمل أيضاً تجهيزات طبية، ومعدات إنقاذ متخصصة، وحلول لتوفير المياه والكهرباء. هذا التكامل يضمن تغطية شاملة لاحتياجات المتضررين.”
3 – ثالثا الرؤية الاستباقية : الهدف من هذا المشروع ليس فقط الاستعداد للكوارث الطبيعية، بل أيضاً على العمل الإستجابة ضد المخاطر الكيميائية والصناعية والإشعاعية و التكنولوجية . هذا يدل على فهم عميق للتحديات المعاصرة التي طرأت على مفهوم إدارة الأزمات و الكوارث الطبيعية كما أنوتركيز المغرب على الاستعداد ليس فقط على الاستجابة بل الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، وتدريب المجتمعات المحلية، وتعزيز التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة،
4 – رابعا : الاستدامة: : حيث يعمل المغرب على الاستثمار في إنشاء منظومة وطنية متكاملة لإنتاج التجهيزات والمواد اللازمة للإغاثة و الإستجابة الفعالة بشكل يضمن استدامة هذه الجهود على المدى الطويل. هذا يقلل من الاعتماد على الاستيراد، ويعزز القدرات الوطتية و يضمن السيادة المغربية في زمن الأزمات .
اليوم هذا المشروع الإستشرافي المرتكز على الرؤية الاستراتيجية، والتعاون العالمي و الحكامة المؤسساتية يعكس الإلتزام الملكي الراسخ بحماية المواطن المغربي و الرفع من جاهزية المؤسسات السيادية لحماية الأمن القومي للمملكة بأبعاده المتعددة و يعتبر خطوة هامة نحو تعزيز أمن وسلامة المواطنين المغاربة و حماية الأمن القومي للمملكة المغربية ، فبدل الاعتماد على استجابات ظرفية بعد وقوع الكوارث الطبيعية ، هذا المشروع يمثل رؤية استباقية تهدف إلى تعزيز قدرة البلاد على الصمود و الإستجابة والتدخل الفوري في كل مكان زمان بشكل فعال و سليم و هو ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله بالخطاب الملكي السامي في إفتتاح الدورة الخريفية للبرلمان أكتوبر 2021 مشيرا إلى أن :”المغرب في مرحلة جديدة ، تقتضي تضافر الجهود ، حول الأولويات الاستراتيجية ، لمواصلة مسيرة التنمية ، ومواجهة التحديات الخارجية […] لتعزيز مكانة المغرب ، والدفاع عن مصالحه العليا ، لاسيما في ظرفية مشحونة بالعديد من التحديات والمخاطر والتهديدات ” حيث شدد جلالته ” على ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية ، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية ، و العمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية ،بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد .” //..