مجتمع

لا يمكن محاربة القذارة بقذارة أكبر

متابعة  : كمال قابل

 

​في كل يوم، تصرخ شاشات هواتفنا الغاضبة من حجم الفساد الذي نراه. صرخات تُترجم إلى سيل من السباب والشتائم التي تُلقى على المسؤولين الفاسدين، كأننا نواجه سرطانًا بجرعات إضافية من السم. نعم، الفساد سرطان ينهش جسد الوطن، يسرق أحلامنا، ويحرمنا من أبسط حقوق العيش الكريم. ولكن، هل يمكن حقًا محاربة الفساد بفساد آخر؟ هل يمكن أن نواجه من لا أخلاق له ولا مبدأ، بالنزول إلى قاع الانحطاط الفكري الذي هو أصلاً يخدم مصالحهم؟

​السباب: سلاح الفاسدين المفضل

​عندما نُطلق العنان لألسنتنا بالسباب والشتائم، فإننا لا ننتصر. بل على العكس، إننا نمنحهم السلاح الذي يبررون به إجرامهم. إنهم لا يخشون كلماتنا البذيئة، بل يضحكون عليها. إنهم يستخدمون غضبنا غير الموجه ليصفونا بالمتطرفين أو عديمي الأخلاق، فيحولون بذلك المعركة من مواجهة فسادهم إلى مواجهة أخلاقنا. وهكذا، نخسر قبل أن نبدأ، نخسر مبادئنا وقيمنا، ونخسر قضيتنا النبيلة.

​المعركة الحقيقية: الفكر والحجة والبرهان

​إن المعركة الحقيقية لا تُخاض بالصراخ، بل بالحجة. سلاحنا الوحيد الذي يخشاه الفاسدون هو العقل والمنطق والدليل. عندما نفضحهم بالحقائق، ونكشف أرقام فسادهم، ونقارن واقعنا المزري بواقع المدن المتقدمة التي تُبنى على النزاهة والعمل الجاد، فإننا نعريهم أمام الملأ.

​صوتك هو قوتك، فلا تهدره. لا تجعل منه حجةً عليك، بل اجعله سيفًا يقطع خيوط فسادهم. عندما تتحدث بالكلمة، فإنك لا تُسقط فقط المسؤول الفاسد، بل تُسقط معه كل حجة واهية حاول أن يختبئ خلفها.

​التغيير يبدأ من صناديق الاقتراع

​إننا نعيش في بؤرة عميقة من الفساد، وهذا يجعل المستقبل يبدو قاتمًا. ولكن اليأس ليس خيارًا. لا يمكن أن نستسلم أو نتخلى عن المعركة. يجب أن نؤمن أن التغيير قادم، ليس من خلال الشتم على وسائل التواصل، بل من خلال أصواتنا التي سنطلقها في صناديق الاقتراع.

​سيزول الظلم، ويبقى التاريخ يذكر كيف قاتلنا. هل قاتلنا بالسباب والشتائم، أم قاتلنا بالمبادئ والقيم التي تربينا عليها؟ إن الانتصار الحقيقي هو في أن نحافظ على أخلاقنا ونحن نواجه من لا أخلاق له. لأن الفساد سيزول، ولكن القيم التي ندافع عنها ستبقى للأبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى