العودة لروح إتفاق الصخيرات يؤسس لحل مستدام للأزمة الليبية و يجنب ليبيا سيناريوهات الحرب .
بقلم : البراق شادي عبد السلام
كلمة السيد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية و التعاون الإفريقي و المغاربة المقيمين بالخارج بالجلسة الافتتاحية للإجتماعات التشاورية بين أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة التي أحتضنتها مدينة بوزنيقة بالمغرب تعبر عن موقف ديبلوماسي متقدم تطرحه المملكة المغربية كقوة إقليمية في المنطقة و ترجمة عملية للرؤية الديبلوماسية الملكية المتبصرة التي تنطلق من مبدأ واقعي و منطقي بعيدا عن الشعارات و المزايدات و التصريحات الغير مسؤولة، هي رسالة قوية لكل من يريد العبث في الملف الليبي و إستغلال الأزمة الليبية لتحقيق طموحات إقليمية أو التسيد على مقدرات و ثروات شعبها بفرض خطوط حمراء أو فرض وصاية على قراراتها ، فالمملكة المغربية من خلال تصريح السيد وزير الخارجية تؤكد على إيمانها الشديد بعبقرية الإنسان الليبي و قدرته على التوصل لحل سياسي ينهي الصراع الحالي في ليبيا في إطار ليبي و بقرارات ليبية صرفة و المغرب له ثقة كاملة في مؤسسات الدولة الليبية على تدبير المرحلة و إدارة أزمات البلاد .
الاجتماعات التشاورية بين أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في بوزنيقة تعقد إجتماعها لعد لقاءات مصر و تونس في ظل تحديات جيوسياسية دولية و قارية و إقليمية معقدة تهدف إلى بناء أسس حوار بين مختلف الفرقاء لتجاوز الأزمة وإعادة إطلاق عملية الإستقرار التي توقفت منذ أشهر في البلاد و هنا فتصريح السيد وزير الخارجية يذكر بسياسة المغرب الديبلوماسية المتميزة بالشفافية و الوضوح و الواقعية و يعبر عن موقف حكيم برؤية إقليمية متعددة الأبعاد ترتكز على إحترام الوحدة الترابية لجيرانها و تؤمن بدور المملكة المحوري في حفظ السلام و الأمن الإقليمي وفق الشرعية الدولية و مقررات الأمم المتحدة ، السيد ناصر بوريطة ذكر بثوابت المملكة المغربية و مقاربتها لحل الازمة الليبية بإيجاز لكن من خلال تحليل كلمته نخلص إلى أربع محاور أساسية تحدد الرؤية المغربية و طبيعة تحركاتها إزاء هذا الملف الإقليمي :
– أولا : المملكة المغربية تؤمن بوحدة ليبيا و إستقلالها و سيادتها الوطنية مع حل يحترم سيادة المؤسسات الليبية على كامل التراب الليبي و تراهن على قدرة الفرقاء الليبيين على إبتداع آليات و ميكانيزمات تساعد على التوصل لحلول سياسية تنهي الصراع الحالي في ليبيا و لها ثقة كبيرة في قدرة المؤسسات الليبية على إدارة و تدبير أزمات البلاد بعيدا عن الوصاية الأجنبية .
– ثانيا : المملكة المغربية ترفض كل أشكال التدخل العسكري في ليبيا ، حيث تشكل مثل هذه التدخلات بيئة خصبة لتكاثر التنظيمات المتطرفة و الإرهابية و تساهم في ترسيخ التشرذم السياسي و الإستقطاب الطائفي و القبلي مما يشكل تهديدا للأمن الإقليمي و القاري و العالمي حيث تستغل الجماعات الإرهابية و التنظيمات الإجرامية العابرة للحدود الدول التي تعاني من فشل أمني مزمن على توطين أنشطتها كالإتجار في البشر و الإرهاب و التهريب بكل أشكاله ، فالمغرب في إطار دعمه للمسار السياسي يرفض تحول ليبيا إلى ساحة للتجاذبات السياسية أو التدافع الجيوسياسي أو إلى بؤرة أمنية تهدد الإستقرار العالمي و القاري و الإقليمي .
– ثالثا : تؤكد المملكة المغربية على أهمية الدور المحوري الذي تلعبه الأمم المتحدة في دعم الاستقرار وحل الأزمة الليبية. فالأمم المتحدة تعتبر المظلة الوحيدة القادرة على توفير الإستمرارية والقوة والدعم الدولي اللازمين لتحقيق حل مستدام ، فتوافق جميع الأطراف الليبية الفاعلة، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، حول الدور الأممي يعكس الثقة في قدرة الأمم المتحدة على إدارة هذه التحديات، كما أن رغبة الأطراف الليبية في الإستفادة من الخبرات الدولية والمعرفة السياسية، بالإضافة إلى القدرات التفاوضية للأمم المتحدة، تعزز من فرص نجاح أي مسار سياسي بفضل وجود مساحات حيادية كافية تسمح للأمم المتحدة و أجهزتها بالتحرك بفعالية بين القوى الكبرى المتنازعة، مما يسهم في خلق بيئة ملائمة للحوار والتفاوض و بالتالي فالتعاون الدولي والمحلي ضروري لتجاوز العقبات وتحقيق الاستقرار في ليبيا.
– رابعا : الشرعية و تدبير المرحلة الإنتقالية : حيث أكدت المملكة المغربية في أكثر من مناسبة على أن تنظيم الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية هي السبيل الوحيد لتثبيت الشرعية حيث ستكون للشعب الليبي الكلمة العليا في إختيار من سيمثله و سيقوم بتدبير شؤونه و العبور بليبيا إلى منطقة الأمان ، فالشعب الليبي قادر على التغلب على تحديات حقيقية تواجه ” معضلة الإنتخابات ” كالتسلسل الإنتخابي المختلف عليه بين إستفتاء على الدستور وإنتخابات برلمانية و رئاسية و مسألة القانون الإنتخابي و تقطيع الدوائر الإنتخابية و ما يرافقها من إشكالات قانونية و دستورية و ترابية و المسألة الأمنية فتأمين الإقتراع الدستوري في كامل التراب الليبي يتطلب مجهودات أمنية كبرى لن تتحقق إلا بتوافق بين كل الفرقاء الليبين على السير قدما في المسار السياسي ، في ما يخص تدبير المرحلة الإنتقالية فإن المغرب يرى في حكومة الوحدة الوطنية أو مجلس النواب أو المجلس الأعلى للدولة كمؤسسات مهمتها المرحلية الأساسية هي التوصل لقاعدة دستورية واضحة المعالم لإجراء إنتخابات متوافق عليها ووضع خارطة طريق توافقية لإستكمال كـل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين أو المتعلقة بالإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات التي سنتهي الجدل حول الشرعية .
هي أربع محددات تؤطر ” الحياد الفاعل” المغربي في الملف الليبي حيث أن المملكة المغربية من خلال إحتضانها لهكذا لقاءات تؤكد على الموقف الثابت و الواضح للمملكة المغربية من كل الفرقاء الليبيين بتعليمات ملكية سامية من جلالة الملك محمد السادس لمساعدة الليبين على إيجاد حل ليبي – ليبي للأزمة الليبية بعيدا عن التدخلات الأجنبية و على هذا الأساس إحتضن المغرب إجتماعات الصخيرات المارطونية وصولا إلى الإجتماعات التشاورية في بوزنيقة حيث أكد السيد ناصر بوريطة على أن ” اتفاق الصخيرات، الذي تم التوقيع عليه في المغرب قبل تسع سنوات، يُعد مرجعا سياسيا ويمنح آفاقا سياسية للأطراف الليبية وللمجتمع الدولي في كيفية التعامل مع الأزمة السياسية في ليبيا” انتهى الإقتباس ، و من هذا المنطلق فالمغرب يعتبر من بين أهم الدول الفاعلة في الملف التي تحظى بإحترام و ثقة كل الفرقاء الليبيين خاصة بعد إنعقاد سلسلة مؤتمرات الصخيرات و مخرجاتها التي تعتبر مرجعا و أرضية مهمة لأي حل سياسي يتوصل له الليبيون لإنهاء النزاع المسلح و إعادة بناء الدولة الليبية.و تكرس مشاركة المملكة المغربية الفعالة في جميع الجهود الهادفة للخروج من المأزق الحالي وتفادي الإنزلاق نحو مواجهات عسكرية جديدة .
منذ بداية الأزمة الليبية في 17 فبراير 2011 تحولت الأراضي الليبية إلى ساحة مفتوحة لتصارع المصالح و التجاذبات السياسية و صراع المحاور و حروب الوكالة بين كل اللاعبين الإقليميين و الدوليين مما جعل البلاد تدخل في متاهة حرب أهلية مدمرة بين مختلف الأطراف الليبية بدعم و توجيه من قوى إقليمية .
الموقف المغربي يعتبر جزءا من العقيدة الديبلوماسية المغربية على مر التاريخ الداعمة لحق الشعوب في السيادة والسلام و الأمن و الإستقرار و مكافحة و محاربة التطرف كيفما كان نوعه أو شكله ، هذه المواقف المغربية الرصينة الداعمة لحق الشعب الليبي في تقرير مصيره و إدارة مقدراته تثير حفيظة مجموعة من القوى العالمية و الإقليمية التي تنظر إلى ليبيا بمنطق إستعماري بائد .
ليبيا اليوم مقبلة على رهانات كبيرة وفق مسارات سياسية و أمنية و إقتصادية متوازية ستحدد مستقبلها القريب فعلى مستوى الرهان السياسي يظل تنظيم إنتخابات عامة برلمانية و رئاسية تقدم سلطة تمتلك مشروعية سياسية تعمل على تطوير عمل مؤسسات الدولة، فضلاً عن إطلاق مصالحة وطنية شاملة، والإلتزام بالوسائل الديمقراطية في إدارة التنافس السياسي، ورفض اللجوء للعنف، والقبول بمبدأ التداول السلمي للسلطة، والالتزام بقواعد النزاهة والشفافية في الانتخابات، والإقرار بنتائجها ؛ و على مستوى الرهان الأمني يتمثل بوقف نهائي لإطلاق النار وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وبسط السيادة الوطنية على كامل الأراضي الليبية وتوحيد الجيش الليبي والمؤسسات الأمنية وتوفير الأمن للمواطنين وإنهاء حالة النزاعات المسلحة وتوحيد مؤسسات الدولة وتحرير القرار السيادي الوطني والرهان الإقتصادي يتمحور حول تأهيل البنية الأساسية وتمويل مشروعاتها لتحقيق حالة اليقين الإقتصادي لكي يساهم بدوره في إعادة الإعمار، وبالتالي إحلال تكافؤ الفرص في إمكانية الحصول على النقد الأجنبي وحماية العملة المحلية من الانهيار و الإستفادة من إرتفاع المواد النفطية في الأسواق العالمية .
و هو ما تؤكد عليه المملكة المغربية على لسان السيد ناصر بوريطة في معرض كلامه قائلا أن : ” الليبيين بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية للتجاوب مع تطلعاتهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتحضير لانتخابات ذات مصداقية. كما أن المجتمع الدولي هو الآخر بحاجة إلى هذه الحكومة لمواكبة الإرادة الليبية على المستويين الداخلي والخارجي ” إنتهى الإقتباس .
في وسط هذه الرهانات و التحديات والمسارات الكبرى فإن العلاقات المغربية – الليبية و مختلف الأطراف تؤكد على أن محور الرباط – طرابلس يؤسس بهدوء مجال إشتغاله في إطار الشرعية الدولية و مخرجات إتفاقات الصخيرات و مسار الثقة في مواقف الدولة المغربية البعيدة كل البعد على المقاربات الإنتهازية لبعض الدوائر الإقليمية حول بترول و غاز ليبيا و كعكة إعادة إعمار ليبيا ، حيث يظل إستقرار ليبيا الهدف الوحيد الذي تتمحور حوله السياسية المغربية إزاء ليبيا و الغاية الأسمى التي تعمل على تحقيقها الديبلوماسية المغربية تجسيداً لما يربط الشعب المغربي و الشعب الليبي من أواصر الأخوة المتينة والتضامن الوثيق ومن رصيد تاريخي وحضاري مشترك .
———–