مجتمع

أكادير.. حقوقيون يناقشون سبل توفير الحماية القانونية للأطفال في وضعية الشارع خلال ندوة من تنظيم جمعية صوت الطفل

 

 

 

 

نظمت جمعية صوت الطفل أكادير، مساء أمس الجمعة 14 فبراير بمقر اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بأكادير، ندوة حول موضوع “الأطفال في وضعية الشارع.. أية آليات قانونية لتوفير الحماية الاجتماعية لهم؟”، بمشاركة نخبة من الفاعلين الحقوقيين.

 

وقد شارك في أشغال هذه الندوة كل من الدكتورة فاطمة الشعبي، أستاذة التعليم العالي بجامعة ابن زهر، وفاعلة جمعوية وحقوقية، والأستاذ جواد بوزيد، محامي بهيئة أكادير، وفاعل جمعوي وحقوقي، والأستاذة فاطمة عريف، رئيسة جمعية صوت الطفل أكادير، الذين لامسوا بمداخلاتهم الجوانب القانونية والاجتماعية لقضية الأطفال في وضعية الشارع، وناقشوا سبل إيجاد الحلول الكفيلة بتوفير الحماية لهذه الفئة من المجتمع.

وفي كلمتها الافتتاحية، اعتبرت الأستاذة فاطمة عريف أن تنظيم هذه الندوة يدخل في إطار حرص جمعية صوت الطفل أكادير على التعريف بجميع القضايا التي تهم الطفولة، خصوصا وأن موضوع الأطفال في وضعية الشارع يحتاج اهتماما أكثر، ودراسة وتحليلا لجذور الظاهرة من أجل فهمها ومحاولة إيجاد الحلول لها.

وقالت فاطمة عريف إن ما يحز في النفس عند الحديث عن الأطفال في الشارع، هو نبرة التخلي واللامبالاة التي أصبحت تطبع سلوكنا تجاههم، حيث أصبح وجودهم بيننا مشهدا مألوفا لا يحرك فينا ساكنا، كأنهم أشباح أو كائنات غير بشرية لا تنتمي إلى مجتمعنا.

 

وأكدت رئيسة جمعية صوت الطفل أكادير، أن حقوق الطفل تسائل الضمير الإنساني في العالم أجمع، ليس لكونه إنسانا بالدرجة الأولى كغيره من الفئات العمرية له حقوق، بل لكونه يقع في فئة عمرية يحتاج للعناية والرعاية وضمان كافة حقوقه وحمايته من كل أشكال العنف والاستغلال، منبهة إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يعتبر أن الأطفال الذين يعيشون في الشوارع أو الأماكن العامة، يتمتعون بجميع الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل وحمايتها وإعمالها.

 

وأضافت فاطمة عريف أن فعاليات المجتمع المدني، من موقعها كمدافعة عن حقوق الطفل، لا تملك أية سلطة تخول لها التدخل إلا في الحدود التي يتيحها لها القانون، وهي حدود لا تكفي لمجابهة ظاهرة مستشرية بشكل كبير في مجتمعنا، فلا تكاد تخلو أية مدينة مغربية من الأطفال في وضعية الشارع، خصوصا المدن الكبرى.

 

وأوضحت رئيسة جمعية صوت الطفل أكادير أن وراء هذه الوضعية تتخفى الكثير من المآسي التي يعيشها هؤلاء الأطفال ليل نهار، من استغلال جنسي وامتهان لكرامتهم عبر استغلالهم في السرقة والتسول، ناهيك عن العنف اليومي الذي يتعرضون له، وكونهم عرضة لكافة أنواع الأمراض.

 

وأبرزت أن هنالك إشكالية كثيرا ما تواجهها جمعية صوت الطفل في تتبعها لحالات الأطفال في وضعية الشارع، ويتعلق الأمر بالأطفال النزلاء بمراكز حماية الطفولة، حيث يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم بعد بلوغهم سن 18 سنة ومغادرتهم لمراكز حماية الطفولة، أمام مصير مجهول، متسائلة عن مصير هذه الفئة، وكيف يجب التعامل معها بعد مغادرتها لمراكز حماية الطفولة؟ وهل من حلول لتتبعهم والتكفل بهم حتى لا يعودوا لوضعية الشارع؟ وما هي الجهات المخول لها تتبع وضعيتهم بعد بلوغهم سن 18 سنة؟

 

وأكدت فاطمة عريف آنه الأوان للتركيز على الأسباب الجذرية والعوامل الاجتماعية التي تدفع الأطفال إلى العيش في الشوارع، وعلى الظروف اليومية التي يجابهها الأطفال الذين يعيشون في الشوارع، عبر وضع استراتيجيات للوقاية، وذلك يتطلب، حسب تعبيرها، من كافة المتدخلين التحلي بالشجاعة اللازمة لوضع هذه الظاهرة ضمن أولوياتهم، كما يتوجب على جميع الجهات المعنية، مؤسسات وجمعيات، إجراء دراسات تتناول التحديات والدروس المستفادة قصد حماية وتعزيز حقوق الأطفال الذين يعيشون في الشوارع، بما في ذلك الدراسات المتعلقة بجمع البيانات وملء الاستمارات، وذلك قصد الوصول إلى آليات من شأنها تحديد وإيجاد الحلول الكفيلة بضمان حماية حقوق هؤلاء الأطفال في وضعية الشارع.

 

بدورها، اعتبرت الدكتورة فاطمة الشعبي أن ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع هي محور اهتمام عدة جمعيات، إلا أن الاهتمام الذي تحظى به هذه الفئة من طرف الفعاليات المدنية لا يكفي، على اعتبار أن الجهات الموكول لها حماية الطفل بالأساس هي الأسرة والدولة، مبرزة أنه رغم المجهودات التي تقوم بها الدولة، والتي صادقت على الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، لا تكفي في ظل غياب إحصائيات رسمية لعدد الأطفال في وضعية الشارع بالمغرب.

 

وأشارت الأستاذة الجامعية والفاعل الحقوقية فاطمة الشعبي، إلى أن أرقاما غير رسمية تشير إلى أن حوالي 30 ألف طفل يعيشون وضعية الشارع بالمغرب، تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و15 سنة، متسائلة عن مصيرهم وعن الإجراءات الجذرية التي يجب اتخاذها لحمايتهم، في ظل قلة الدراسات السوسيولوجية وغياب الإحصائيات الرسمية، وهو ما يجعل المهمة صعبة.

 

كما أشارت الدكتورة فاطمة الشعبي إلى أن الأسباب الكامنة وراء انتشار الظاهرة متعددة، منها حالات اليتم، والأسر المتفككة، والهدر المدرسي، وتنتج عن هذه الظاهرة عدة تداعيات مباشرة وظواهر أخرى، مثل الحرمان من التعليم، والسرقة والإجرام، وتعاطي المخدرات، والاتجار بالبشر، ناهيك عن التداعيات الجسدية والنفسية والعقلية.

 

واعتبرت فاطمة الشعبي أن حقوق هؤلاء الأطفال كلها مهضومة في ظل غياب جهات حاضنة، حيث أن مؤسسات حماية الطفولة وحدها لا تكفي، بل هناك حاجة ملحة لتدخل جميع الفاعلين، خصوصا وأن مصير هؤلاء الأطفال يبقى مجهولا بعد سن 18 سنة عند مغادرتهم لمراكز الإيواء، وهو الأمر الذي يستدعي ضرورة إدماجهم في الجامعات ومراكز التكوين المهني، حتى لا يبقوا عرضة للتشرد عند مغادرتهم لمراكز حماية الطفولة.

 

كما دعت الدكتورة الشعبي وزارة الشباب والثقافة ووزارة السياحة لأن يكونوا فاعلين في التصدي للظاهرة ومحاولة إيجاد حلول لها، وألا يظل الأمر مقتصرا فقط على وزارة التضامن والأسرة، منبهة أيضا إلى غياب تتبع الظاهرة في وسائل الإعلام العمومية.

 

وفي ختام مداخلتها، دعت الأستاذة الجامعية فاطمة الشعبي إلى ضرورة تطوير عمل الجمعيات الفاعلة في مجال حماية الطفولة، من أجل تقديم مقترحات قانونية للجهات الرسمية، وممارسة نوع من الضغط في سبيل إيجاد الحلول الكفيلة بالتصدي للظاهرة وإنقاذ هؤلاء الأطفال من وضعية الشارع.

 

وفي مداخلته، أشار الأستاذ جواد بوزيد أن ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع أصبحت لا تثير فينا أي رد فعل، نظرا لأنها صارت مألوفة في محتمعنا، وأكد على أن المسؤولية الكبرى لإيجاد الحلول لها ملقاة على الجهات الرسمية، رغم الدور الكبير الذي يقوم به المجتمع المدني.

 

وأبرز المحامي والفاعل الحقوقي جواد بوزيد، أن مؤسسات الدولة ملزمة بإجراء الاستجابة الرسمية واستقبال الحالات المبلغ عنها للأطفال في وضعية الشارع، عن طريق التحقيق والتدخل والأمر بالنقل، كما أكد على ضرورة التفكير في إحداث محكمة للطفل، والتركيز على إدارة ومراقبة الرعاية البديلة.

 

وأشار إلى أن من حقوق الطفل الحق في الإقامة الآمنة والرعاية الكاملة، مبرزا أهمية التبني وبدائله الوظيفية، إضافة إلى أهمية المساعدة الطبية والنفسية وإحراءات الدمج، مع دعوته إلى اعتماد مجانية المساعدة القانونية للأطفال المهملين أو المعنفين، لأن حق الطفل يجب أن ترعاه الدولة.

 

بعد ذلك، تم فتح نقاش عام ساهم فيه الحاضرون خلال أشغال هذه الندوة، وقد تركز النقاش حول ضرورة مناشدة الدولة لتوفير أطر ومتخصصين ذوي كفاءة وخبرة وتجربة لمساعدة الجمعيات العاملة في المجال في تحسين رعاية وتاطير الأطفال في وضعية الشارع، وضرورة تكوين أطباء متخصصين في الطب النفسي للأطفال وتمكين الجمعيات من الاستفادة من خدماتهم والاستعانة بخبراتهم بشكل استباقي، وإنشاء صندوق وطني تساهم فيه الدولة والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص والمواطنين لتمويل دور ومراكز إيواء للأطفال في وضعية الشارع ورعايتهم والعمل على حمايتهم من المخاطر التي تهددهم بالشارع.

 

كما تم التأكيد على ضرورة إحداث رقم أخضر للتبليغ عن حالات الأطفال في وضعية الشارع أو الأطفال المهملين، إضافة إلى ضرورة توفير مراكز ومصحات متخصصة للأطفال في وضعية الشارع ومواكبتهم النفسية لخصوصيات الظروف التي يمرون منها، وكذا تسريع العمل بالقوانين المؤطرة للأطفال السارية المفعول باعتبارها متقدمة وقادرة على حماية الأطفال في وضعية الشارع، وتنزيل القانون المتعلق بالعاملين الاجتماعيين خاصة الذين يتخصصون بالأطفال والأمهات العازبات، كما تمحور النقاش حول أهمية الاستفادة من التطور التكنولوجي والأبحاث العلمية المتخصصة لايجاد حلول للحد من هذه الظاهرة، وضرورة إحداث محاكم متخصصة للأطفال لتسريع وثيرة البت في القضايا المتعلقة بهم.

 

هذا، وقد اختتمت فعاليات هذه الندوة بفقرة التكريمات في أجواء إنسانية حميمية، حيث كرمت جمعية صوت الطفل كلا من السيدة سلوى بنكيران، رئيسة جمعية تكمينو لمساعدة الأطفال والنساء في وضعية صعبة، والسيدة فاطمة الشعبي، رئيسة جمعية أرض الأطفال، والسيد التيجاني الهمزاوي، مدير اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بأكادير، والإعلامي السيد محمد بركة، إضافة إلى السيدة نسرين لعسيلي، محامية متمرنة بيهئة أكادير العيون، والسيدة خولة فايض، المنسقة العامة لجمعية صوت الطفل بجهة الدار البيضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى