بين العطاء النبيل والجشع المدمر

متابعة: كمال قابل
في قرية كينية فقيرة، يبرز اسم بيتر تابييتشي، معلم بسيط لم يملك من حطام الدنيا شيئًا، ولكنه امتلك من روح العطاء ما يوازي كنوز الأرض. رغم راتبه الضئيل، لم يتردد في التبرع بـ80% منه لمساعدة طلابه المحتاجين، الذين يمشون كيلومترات ليجدوا في مدرستهم مأوىً ولقمة خبز. لم تكن هذه مجرد مساعدة، بل كانت رسالة، صكًا مفتوحًا على المستقبل، يكتبه بحبر التضحية والإيمان بأن كل طفل يستحق فرصة.
وعندما وقف بيتر على منصة جائزة أفضل معلم في العالم ليتسلم المليون دولار، لم يرَ في الجائزة مالًا يضاف لثروته، بل رأى فيها فرصة لبلاده وأفريقيا ولكل طفل فقير. لقد أثبت للعالم أن الثراء الحقيقي لا يقاس بالذهب، بل بالقدرة على إشعال شمعة الأمل في قلوب يائسة.
وعلى النقيض تمامًا، يقبع في الجانب الآخر من العالم أغنياء ومسؤولون لا يرون في ثرواتهم سوى وسيلة لمزيد من الجشع. يملكون القدرة على تغيير وجه مجتمعات بأكملها، لكنهم يفضلون أن يروا الجوع يتفشى والجهل يتغلغل، ما دام ذلك يصب في مصلحتهم. يتفننون في نهب خيرات الأرض وجمع الأصفار، بينما يموت الأطفال من الجوع على بعد أميال قليلة منهم.
الفرق شاسع بين من يرى في الإنسان قيمة تستحق التضحية، وبين من يراه مجرد رقم يمكن استغلاله. بيتر تابييتشي، بنوره الخافت، أضاء دروبًا لأجيال قادمة، بينما أولئك الأغنياء، يقبعون في ظلام جشعهم، تاركين خلفهم فراغًا من الإنسانية المنتهكة. فالعطاء، يا صديقي، ليس ما تعطيه وأنت تملك الكثير، بل ما تمنحه وأنت لا تملك إلا القليل.