إعفاء المدير الإقليمي للتعليم بشيشاوة: هل تمت التضحية بكفاءة محسن البقالي لتغطية تأخر صفقات الإعمار الزلزالي؟”

متابعة : سمير الرابحي
رحيل مُقّدر يثير موجة من الأسف
شكل قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بإنهاء مهام السيد محسن البقالي، المدير الإقليمي للتعليم بشيشاوة، صدمة لدى عدد كبير من الفاعلين التربويين والمدنيين بالإقليم. وفي الوقت الذي تمر فيه قرارات التغيير الإداري غالباً بهدوء، جاء هذا الإعفاء ليُفجّر مشاعر التقدير والأسف على حد سواء، في ظل إجماع واسع على كفاءة الرجل وتفانيه في خدمة المصلحة العامة.
الشهادات المتبادلة بين النقابيين، الجمعويين، أطر المؤسسات التعليمية، وحتى الآباء والأمهات، ترسم صورة لمسؤول كان “مكتبه مفتوحاً دائماً”، ويُعرف بـ”نشاطاته وتحركاته اليومية غير المسبوقة” في تتبع واقع القطاع. ويرى كثيرون أن رحيل السيد البقالي يمثل “خسارة كبيرة” للمنظومة التربوية بالإقليم الذي يواجه تحديات تنموية معقدة، وأن أثره الإيجابي كان ملموساً في كل شبر منه.
سؤال المسؤولية: هل الإعفاء هو الحل لتأخر الإعمار؟
الجانب الأكثر إثارة للجدل في قرار الإعفاء يأتي في سياق تحدي إعادة بناء المؤسسات التعليمية المتضررة من زلزال الحوز. فقد ربطت تحليلات عديدة قرار إبعاد المدير الإقليمي بتأخر وتيرة الإعمار، لكن هذا الربط يواجه اعتراضاً قوياً من متتبعين يرون فيه تحميلاً للمسؤولية لغير أهلها.
فالتأخر في بناء المؤسسات التعليمية المتضررة، وفقاً للمختصين، ليس خطأ مدير إقليمي، بل هو إشكال تدبير مركزي يرتبط بجوهر الملفات الوطنية الكبرى. إن مسألة الصفقات العمومية، طول المساطر الإدارية والمالية، وإشكالية الإشراف الوزاري المباشر على هذه المشاريع الحيوية، كلها عوامل تخرج عن الصلاحيات الفعلية لمدير إقليمي لا يملك القرار المالي أو التقني في مثل هذه الأوراش الضخمة.
إن تحميل المسؤولية لطرف محلي، مهما كانت كفاءته، في سياق لا يملك فيه سلطة القرار المركزي، لن يسرّع وتيرة الإعمار، بل قد يؤدي إلى تعميق حالة الارتباك الإداري.
إجماع نادر وكفاءة ميدانية،ما يرفع من منسوب الحزن على مغادرة السيد البقالي هو الكفاءة الميدانية التي راكمها ومعرفته الدقيقة بتضاريس وتحديات الإقليم. فالمدير الذي يحظى بـ”الإجماع” على نزاهة اليد وطهارة السلوك وتكريس الوقت لمصلحة التلاميذ، غالباً ما يكون هدفاً لـ”أعداء النجاح” أو “تيارات الروتين” التي ترفض أي دينامية تغير من واقع الركود.
لقد غادر المدير الإقليمي تاركاً خلفه رسالة مفادها أن العمل الإداري الناجح هو مزيج من الانفتاح والتفاني غير المحدود، وودعه الإقليم بتمنيات بالراحة بعد وضع “حمل ثقيل”، مع تأكيد على أن الإقليم سيفتقد “تلك الابتسامة الدائمة” التي كانت عنواناً للتفاؤل والعمل.
دعوة لمعالجة الاختلالات الهيكلية
يشكل إعفاء المدير الإقليمي لشيـشاوة دعوة مفتوحة لمراجعة آليات المساءلة في المنظومة التعليمية. فبدل توجيه الأنظار نحو المسؤولين المحليين الذين يعملون في الواجهة، يبقى المطلوب هو معالجة الاختلالات على مستوى التدبير الوطني وضمان تسريع إنجاز المشاريع الحيوية (كإعمار الزلزال) بشكل يضمن حق المتعلمين في التمدرس في ظروف سليمة وآمنة.
إن خسارة كفاءة بحجم السيد البقالي، في الوقت الراهن، قد تعرقل جهود الاستقرار في مرحلة بالغة الحساسية تتطلب الاستناد إلى التجربة الميدانية والمعرفة العميقة بواقع الإقليم.



