شيكات 600 مليون بإنزكان: لماذا سحب المحامي تدوينته؟ ولماذا لم يتريّث إلى أن تقطع الخبرة الخطية الشك باليقين؟

في ظل تكتم شديد من الأطراف وامتناعهم عن الإدلاء بأي تفاصيل احتراماً لسرية التحقيق، برزت إلى السطح أسئلة جديدة منذ أن سحب محامي المتهم (المسجل بهيئة المحامين بالدار البيضاء) تدوينته من حسابه على موقع «فيسبوك»، وهي التدوينة التي كان قد جزم فيها، قبل فتح مسطرة الخبرة الخطية، بأن التوقيعات المذيلة بالشيكات موضوع النزاع مزوّرة، أي غير صادرة قطعاً عن المتهم. وقد قال المحامي بالحرف الواحد في تدوينته:
> “واقع الأمر غير ما يتم الترويج له في هذا المنشور ذلك أنني كلفت وتوليت مؤازرة المشتكى بهما أمام النيابة العامة وأمام قاضي التحقيق. الأمر يتعلق بشيكات مزورة وأتحفظ عن إعطاء معلومات بخصوص الملف لكونه لازال في التحقيق ومن تم فإنه مشمول بالسرية.”
(انتهى كلام المحامي).
هذا الموقف الحازم، الذي يؤكد فيه المحامي أن التوقيعات على الشيكات مزوّرة وليست صادرة عن المتهم، ثم التراجع عنه بحذف التدوينة بعد أن اطلع عليها جمهور المتابعين ووثّقها، فتح الباب أمام تساؤلات عديدة في أوساط المهتمين والمتتبعين للملف: ما الذي دفع المحامي إلى سحب هذا التصريح العلني الحاسم قبل صدور أي نتيجة رسمية؟ ولماذا لم يتريّث إلى حين انتهاء الخبرة الخطية التي تشكّل—من الناحية التقنية—المرجع العلمي القادر على الحسم؟
هل يتعلق الأمر بتوصلٍ بمعطيات أو توضيحات جديدة داخل الملف جعلته يفضل التراجع عن تدوينة قد تُفهم كإعلان مسبق عن نتيجة مسطرة لا تزال جارية؟ أم بمراجعة مهنية داخلية واستحضار لمقتضيات سرية التحقيق وما تفرضه من تحفّظ في القضايا الرائجة أمام القضاء، خاصة بعد أن لاحظ حجم التفاعل مع التدوينة وتداولها على نطاق واسع؟
أم أن المحامي قد قدّر أيضاً ما قد يترتّب عن الإبقاء على هذه التدوينة من مخاطر قانونية وتأديبية محتملة، بالنظر إلى إمكانية تأويل مضمونها على أنه اتهام صريح للمشتكي بتقديم شيكات إلى القضاء تحمل توقيعات مزوّرة لا علاقة لها بالمتهم، وذلك في غياب أدلة علنية أو خلاصات قضائية نهائية تثبت مثل هذه الادعاءات، خاصة وأن الملف لا يزال مفتوحاً ولم تُحسم بعد إجراءاته القانونية. فالمحامي، وفق قواعد المهنة، يُفترض فيه التحلّي بأقصى درجات التحفّظ والانضباط في القضايا الرائجة أمام القضاء، وتجنب إصدار مواقف جازمة قبل انتهاء المساطر وإصدار الخلاصات الرسمية.
فأسئلة من هذا القبيل تبقى كلها في حدود الاحتمال، في غياب أي توضيح مباشر من المعني بالأمر يشرح خلفيات هذا التراجع، أو يضع نقطاً واضحة على حروف هذه الخطوة التي أثارت انتباه الرأي العام المحلي والحقوقي.
وتزداد التساؤلات بعد ملاحظة غياب المحامي نفسه عن مؤازرة موكله خلال جلسة المواجهة الأخيرة التي عُقدت عقب إحالة نتائج الخبرة الخطية، إذ لم يُشاهَد ضمن فريق الدفاع الذي حضر إلى محكمة الاستئناف بإنزكان، دون أن يصدر عن المعني بالأمر أي توضيح يشرح خلفيات هذا الغياب أو يضع حداً للتأويلات المتداولة. غير أن هذا الغياب في حد ذاته لا يمكن تحميله تلقائياً أي دلالات قانونية مؤكدة ما لم تُوضّح أسبابه.وفي موازاة هذا الجدل، يظل تقرير الخبرة الخطية المنجز من طرف معهد الأدلة الجنائية التابع للدرك الملكي محطة مركزية في مسار هذا الملف، باعتباره الأداة العلمية التي يُعوَّل عليها لفحص التوقيعات ومقارنتها بالوثائق المرجعية وفق معايير تقنية دقيقة. وقد أحيلت نتائج هذه الخبرة على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بإنزكان، الذي استدعى الأطراف لتقديم مستنتجاتهم بشأنها، مما يعكس انتقال الملف إلى مرحلة متقدمة من التحقيق القضائي.
ورغم كل ما يروج من أخبار وتأويلات، فإن الخلاصة النهائية للخبرة ما تزال خاضعة للسرية القانونية، ولا أحد من خارج المسطرة القضائية يملك حق الجزم بما انتهت إليه. غير أن المتتبعين يجمعون على أن هذه الخلاصة—من حيث المبدأ—تعدّ الحلقة العلمية الحاسمة في القضية، فهي وحدها القادرة على قطع الشك باليقين وترجيح إحدى الروايتين بشكل موضوعي، سواء بتأكيد صحة التوقيعات أو استبعاد نسبتها إلى المتهم.ومع استمرار التحفّظ الرسمي وامتناع جميع الأطراف عن التعليق، يظل السؤال الجوهري معلقاً:
ما هي النتيجة النهائية التي خلص إليها معهد الأدلة الجنائية في تقرير خبرته؟
ذلك أن الجواب عن هذا السؤال يشكّل المدخل الأساسي للحسم في صحة التوقيعات وتحديد المسؤوليات بدقة، بعيداً عن أي تأويلات أو تخمينات.
وإلى حين ذلك، يبقى القضاء وحده المؤهَّل لكشف الحقيقة كاملة، في إطار الضمانات القانونية واحترام سرية التحقيق.



