مجتمع

مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية: حقيقة أممية

 

بقلم : البراق شادي عبد السلام

 

يُشكل ملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية قضية وجودية وأولوية وطنية عليا مؤطرة بإجماع شعبي راسخ و إلتفاف دائم حول العرش العلوي المجيد القائد الأوحد و الوحيد لنضال الشعب المغربي من أجل الحرية و الإستقلال و الكرامة و العدالة الإجتماعية ، التاريخ المغربي علمنا أن الأرض المغربية مقدسة غير قابلة للتفاوض أو المساومة، وهو ما يفرض مقاربة عملية حاسمة مبتكرة لهذا النزاع الإقليمي المفتعل قابلة للتطبيق و التنزيل في إطار السياق السياسي و الدستوري المغربي تتجاوز عقودًا من الجمود الذي فرضته الأطروحات غير الواقعية والمتجاوزة تاريخياً. وفي هذا السياق، فإن مقترح مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التي قدمها المغرب في عام 2007 لم تكتيكا تفاوضيا عابرا لصانع القرار السياسي في الرباط ، بل كانت تعبيرا إراديا وسياديا عن رؤية استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى إقرار حل نهائي ومستدام لهذا النزاع الإقليمي المفتعل بهدف تحقيق إندماج مستدام و راسخ للأقاليم الجنوبية في النسيج المجتمعي و السياق السياسي للمملكة ، حيث حظيت هذه المبادرة، التي وصفتها قرارات مجلس الأمن الدولي بأنها “جدية وذات مصداقية”، بدعم دولي متزايد من قوى كبرى وعدد كبير من الدول عبر العالم، كونها الأساس الوحيد للحل السياسي الواقعي والعملي القائم على التوافق. فجوهر المبادرة يكمن في إحداث توافق دستوري متقدم يضمن لسكان الأقاليم الجنوبية ممارسة صلاحياتهم الذاتية كاملة في إطار السيادة الوطنية الكاملة للمملكة، بما يمثل مرجعية للحكامة الرشيدة والتنمية الشاملة ويضمن احترام حقوق الإنسان والكرامة.

 

إكتسبت هذه المبادرة، بفضل مقوماتها الواقعية وشموليتها، وضعًا سياسيا دوليًا لا يمكن التغاضي عنه. فقد تحولت، عبر القرارات المتواترة لمجلس الأمن الدولي، إلى منصة التفاوض الوحيدة والمحدد الأساسي لأي تقدم في المسار السياسي ، فاعتراف المجلس المتكرر بوصف المبادرة بأنها “جدية وذات مصداقية” ليس فقط توصيف تقني، بل هو تثمين أممي مسؤول للإطار المغربي كآلية فعالة ومنصفة لتطبيق مبدأ الحكم الذاتي المتقدم، بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة ومقتضيات القانون الدولي. لأن هذا الترسيم يرسخ المبادرة كـ حقيقة أممية غير قابلة للتقويض في أدبيات الدبلوماسية الدولية، ويجعل منها ميزانًا يُقاس به أي جهد مستقبلي لحل النزاع.

 

يُعزز من مكانة المبادرة، كحل أوحد، الاصطفاف الدولي الواسع الذي تجاوز مستوى الدعم السياسي ليتخذ أبعادًا تنفيذية على الأرض. فالدعم الذي حظيت به المبادرة من قوى عظمى وفاعلة، وتعبير عدد متزايد من الدول الذي تجاوز 120 دولة حول العالم، بما في ذلك أكثر من 23 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، عن اعتبارها “الأساس الأكثر واقعية” للحل، يمثل إجماعًا ضمنيًا على إفلاس الخيارات الأخرى. كما أن الخطوة السيادية المتمثلة في افتتاح أكثر من 30 قنصلية عامة في مدينتي العيون والداخلة، من بينها تمثيليات لأكثر من 30 دولة ومنظمة إقليمية إفريقية، هي فعل دبلوماسي ملموس يُسقط أي فرضية انفصالية، ويؤكد الاعتراف الفعلي بـ الولاية القانونية للمغرب على أقاليمه الجنوبية. المقترح المغربي ليس فقط وثيقة، بل هي مُعادلة جيوسياسية ثابتة تدعم الإجماع الدولي على وحدة المغرب وسيادته على كامل أراضيه في إنسجام تام مع المواثيق الدولية .

 

و على هذا الأساس تُعَدّ مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب الإطار الوحيد الذي يحظى بقبول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كأساس للمفاوضات، حيث اكتسبت شرعيتها المتزايدة منذ تبني القرار 1754 في عام 2007 والقرارات اللاحقة مثل 2602 و 2703 و 2756 ، حيث تتمحور قوة هذه المبادرة الخلاقة و المبدعة في مجال الوساطة الديبلوماسية في ثلاث نقاط أساسية يُكررها مجلس الأمن باستمرار:

 

-أولاً : وصف المبادرة بـ”الجديّة والمصداقية”، وهو ما يُعد اعترافًا ضمنيًا من أعلى هيئة أممية بأن هذا المقترح يفي بجميع المتطلبات الضرورية للتوصل إلى حل سياسي واقعي ومستدام للنزاع الإقليمي.

 

-ثانيًا : التأكيد على ضرورة التوصل إلى “حل سياسي توافقي” عبر الدعوة المستمرة للأطراف المعنية للعمل انطلاقًا من هذه المبادرة، ما يُرسّخها كخيار عملي وواقعي بعيدًا عن أي خيارات غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

 

– ثالثًا : أضحى إدراج المبادرة كـ”إطار للتفاوض” مرجعًا لا يمكن تجاوزه، ليس فقط في تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن أيضًا في جميع جولات الموائد المستديرة اللاحقة، وهو ما يمنحها ثقلاً دبلوماسيًا مركزيًا ووضعًا كمرجعية لا مناص منها لحل هذا الملف.

 

​ينطلق هذا المقترح من الثوابت الوطنية الجامعة للمملكة، وهي البيعة للعرش العلوي المجيد و إمارة المؤمنين كنبراس ديني للأمة المغربية، ويأتي في إطار جهود المملكة المغربية الرامية إلى استكمال وحدتها الترابية.حيث يُعد مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بمثابة محطة وصول لحل نهائي ومستدام لهذا النزاع الإقليمي المفتعل وليس نقطة انطلاق لمسار تفاوضي ،فمبادرة الحكم الذاتي في جوهرها تهدف إلى إقامة توازن حكيم بين تلبية تطلعات ساكنة الأقاليم الجنوبية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشؤونهم الإقليمية والمحلية، وبين الحفاظ الراسخ على المبادئ الثابتة للمملكة المغربية، وفي مقدمتها الوحدة الترابية والسيادة الوطنية الكاملة. حيث تتجلى أبرز ملامح المبادرة في منح المنطقة سلطات ذاتية واسعة عبر هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة، تتولى الإدارة المستقلة للشؤون التنموية والمالية، مما يعزز الحكم الذاتي القائم على المسؤولية المحلية وديمقراطية القرب ويضمن مشاركة فعالة للسكان في تحديد أولوياتهم.

 

​وفي المقابل، تؤكد المبادرة على ثبات السيادة المغربية باحتفاظ الدولة بشكل حصري بـ اختصاصات السيادة الجوهرية، وتشمل شؤون الدفاع، الأمن الوطني، العلاقات الخارجية، والشؤون النقدية والمالية .و من هذا المنطلق ستضمن المبادرة تمثيلاً نوعياً ومناسباً لسكان المنطقة ضمن المؤسسات السيادية للمملكة، كالبرلمان، بهدف تحقيق الدمج الكامل والمؤسسي للمنطقة داخل النسيج الوطني والدستوري والقانوني المغربي، مما يرسخ شرعية الحكم الذاتي ضمن الإطار الدستوري ويعمق الانتماء الجامع للوطن والمواطنة الكاملة.

 

لضمان الترسيم الجيوسياسي لمقترح الحكم الذاتي وتأكيد مكانته كحل أممي وحيد، يسعى المغرب إلى توطيد انتمائه الإفريقي وتجسيد الرؤية الملكية الاستراتيجية للسياسة المغربية الجديدة في إفريقيا والتي تعتبر القارة امتدادًا حيويًا وتاريخيًا وحضاريًا ومحور ارتكاز لسيادته ووحدته الترابية، حيث شكلت العودة المغربية المظفرة إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017 الركيزة المحورية لهذا الانفتاح، وخطوة استراتيجية نجحت في إبطال عملية “اختطاف” الموقف الإفريقي المؤسساتي من طرف النظام الجزائري وصنيعته ميليشيا البوليساريو، عبر العمل على تحييد المنظمة القارية وتكريس مرجعية الأمم المتحدة كإطار حصري للحل، مما عزز مكانة الأقاليم الجنوبية لتكون بوابة المغرب الرئيسية نحو الفضاء الأطلسي الإفريقي ومنطقة الساحل في إطار شراكة هيكلية راسخة تخدم المصالح المتبادلة ، فهذا الانفتاح يُشكل ركيزة محورية لشراكة هيكلية راسخة، تتجاوز التعاون الدبلوماسي التقليدي، وتخدم المصالح المتبادلة وتعمل على دمج الأقاليم الجنوبية لتكون بوابة المغرب الرئيسية نحو الفضاء الأطلسي الإفريقي ومنطقة الساحل.

 

تتجلى هذه المقاربة في عدد من المبادرات الهيكلية الكبرى، أبرزها مشروع أنبوب الغاز الأطلسي الإفريقي (نيجيريا-المغرب)، الذي يمثل، إضافة إلى كونه مشروعًا طاقيًا ذا أبعاد إقليمية هائلة، عملاً تكامليًا استراتيجيًا يوطد مكانة المغرب كمؤمن للاستقرار الطاقي، ويجعل من واجهته الأطلسية في الأقاليم الجنوبية محورًا للتنمية المشتركة. كما تهدف المبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل للواجهة الأطلسية إلى تحويل السواحل المغربية إلى منفذ بحري استراتيجي لتلك الدول، مما يعزز البعد الاقتصادي والتنموي للاعتراف المغربي بالسيادة، ويدعم الولاء الإفريقي للموقف المغربي. علاوة على ذلك، فإن مسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية يعمل على ترسيم الأقاليم الجنوبية ضمن فضاء جيوسياسي أطلسي متكامل، بينما تعمل مشاريع الربط الكهربائي والتكامل الاقتصادي والتنموي على تعميق الاندماج ضمن محور الجنوب-جنوب، ما يؤكد أن الحكم الذاتي يعد مكونًا أساسيًا ضمن الدينامية التنموية الإفريقية الشاملة بقيادة المغرب، ويُحبط أي محاولة للطعن في شرعية المقترح على المستويين القاري والدولي.

 

في نفس سياق التأمين الجيوسياسي لمقترح الحكم الذاتي إقليميا، إعتمد المغرب أيضًا أدوات عسكرية وأمنية فعالة. حيث تتجلى هذه الأدوات في المناورات العسكرية “الأسد الإفريقي” التي تُشكل ردًا استراتيجيًا مغربيًا لمعادلة الاستقرار الإقليمية، خاصة في مواجهة التحديات والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة. حيث تقدم هذه المناورات، التي تتم بالتعاون مع حلفاء و أصدقاء دوليين للمملكة المغربية كالولايات المتحدة الأمريكية، مساهمة فعلية في تثبيت قواعد الاشتباك التقليدية لمنع التوترات وخفض التصعيد الإقليمي و مواجهة الخطر الإرهابي المتزايد في الساحل و الصحراء الكبرى ، كما أن المقاربة المغربية الشاملة لمحاربة الإرهاب، والتي ترتكز على دعائم متعددة تشمل تكوين القدرات، التدريب، المساعدة التقنية، التعاون والتنسيق الاستخباراتي و الأمني على المستوى الإقليمي والدولي تساهم بشكل كبير في دعم الدول الإفريقية ،تُضاف إليها أبعاد روحية مهمة تتمثل في تكوين الأئمة، كجزء من إستراتيجية وقائية لتعزيز قيم الإسلام المعتدل ومحاربة التطرف، مما يعزز الإستقرار الداخلي و الإقليمي و يُرسخ موقع المغرب كشريك أمني موثوق به في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، داعماً بذلك الإطار الشامل لسيادته ووحدته الترابية .

 

تُشكّل استراتيجية اليد الممدودة للمغرب تجاه الجزائر ركيزة أساسية و محورية ضمن جهود التأمين الجيوسياسي لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حيث ينبع هذا التوجه من إدراك مغربي راسخ بأن النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية يمتلك طابعاً إقليمياً جوهرياً وأن الجزائر تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية في استمراره بسبب دعمها للطرف الآخر وعرقلتها للحل. لذلك، فإن الدعوات الملكية المتكررة للحوار الأخوي والمباشر لم تكن تهدف فقط إلى بناء جسور التعاون، بل تُعتبر الإطار السياسي الضروري لأي عملية تفاوض مستقبلية بين المغرب والجزائر. الهدف من هذا المسار هو تحقيق انفراج إقليمي واسع يتجاوز قضية الصحراء، ليُفضي إلى تكامل مغاربي مستدام يخدم التطلعات التنموية لشعوب المنطقة بأسرها. وبهذا، يتحول مقترح الحكم الذاتي من مجرد رؤية سياسية إلى مفتاح للاستقرار و الأمن والتنمية الإقليمية المشتركة.

 

على ضوء ما سبق يضع التراكم المستمر للدعم الدولي، وتأكيد مجلس الأمن المتواتر على مرجعية مبادرة الحكم الذاتي كإطار وحيد للمفاوضات، القرار المرتقب للمجلس في نهاية هذا الشهر في صدارة التحولات الجيوسياسية المنتظرة على المستوى الإقليمي فمن المتوقع أن يركز القرار القادم على تحديد مدة زمنية جديدة لولاية بعثة المينورسو لا تتجاوز ثلاثة أشهر ، و أيضا على تعميق الاعتراف الأممي بكون المبادرة هي الإطار الوحيد العملي والمقبول دولياً. حيث يمثل هذا القرار فرصة لترسيخ “قاعدة لا رجعة فيها” في المسار السياسي، بالانتقال من مجرد وصف المبادرة بـ”الجديّة والمصداقية” إلى الضغط الفعلي على الأطراف الأخرى للانخراط بنية صادقة ومقاربة بناءة في مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية خاصة في ظل تنامي التهديدات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء التي تفرض حلاً سريعًا وواقعيًا يدعم استقرار المنطقة بشكل خاص و أن هذا النزاع المفتعل إستمر لأكثر من 50 سنة في إستنزاف مقومات الأمن البشري، مثقلاً كاهل المنطقة ومعيقاً للتكامل والتنمية.

 

ف​من المرجح أن يشكل القرار المنتظر منعطفًا تاريخيًا عبر تكريس الحصرية التامة لمقترح الحكم الذاتي كحل سياسي وحيد وواقعي للنزاع الإقليمي المفتعل ، و بالتالي فهذا التكريس سيُفضي منطقياً إلى وضع اللبنات الأولى لـتغيير هيكلي في وظيفة بعثة المينورسو. فبعد إجماع المجلس على عدم واقعية خيار الاستفتاء، قد تتجه وظيفة البعثة نحو مقاربة تنفيذية جديدة؛ تتحول فيها من مجرد الإشراف على وقف إطلاق النار ومراقبة مسار لم يعد قائماً (الاستفتاء) لإستحالة تنفيذه، إلى الإشراف المرتقب على الخطوات الإجرائية والتنفيذية لتنزيل مقترح الحكم الذاتي على الأرض. هذا التطور الدبلوماسي و السياسي المدعوم بالديناميكية التنموية الأفريقية الأطلسية للمغرب و بعملية تأمين جيوسياسي متعددة الأبعاد نفذتها الدولة المغربية بمختلف مؤسساتها الإستراتيجية كما ان التفاهمات المغربية-الجزائرية المرتقبة برعاية أمريكية هي الأخرى ترخي بظلالها الإيجابية على قرب نهاية هذا الملف ، سيجعل من القرار المقبل خطوة حاسمة نحو إنهاء الجمود وتأكيد أن الوحدة الترابية للمملكة المغربية هي ركيزة للاستقرار والتنمية الإقليمية و تطويق فكري و فلسفي للنزعات الإنفصالية و التقسيمية الناتجة عن التهافت الإمبريالي على إستغلال ثروات الشعوب الإفريقية عن طريق تقزيم و تقسيم الدولة الوطنية الكبرى و خلق كيانات و دول و أنظمة عميلة وظيفية تخدم المصالح الإستعمارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى